الخميس، 25 أبريل 2013

"أمين الخمليشي" في حفل تكريمه بمسرح محمد الخامس : المتدخلون بالغوا كثيرا في الاهتمام بي وبنصوصي و" زَادُوا فِيه " ..


     احتضن فضاء المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط مساء أمس الأربعاء 24  أبريل الجاري تظاهرة ثقافية بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف.
وخلال هذا الاحتفاء، تمَّ تكريم الأديب والقاصّ الأمين الخمليشي صاحب المجموعتين القصصيتين الشهيرتين “اشتباكات” و”عربة مدام بوفاري”.
     وقد تمَّ افتتاح هذا التكريم بعرض بعض فقرات مسرحية “ورقة وقلم” من تقديم علية جبور وأحمد جواد احتفاءً بـ”الكْتَابَة” التي هي “بَلِيَّة كلّ هاوٍ لها”.
"أحمد بوزفور هو شيخ القصة عامة، لكن الخمليشي هو أحد رموزها أيضا " بهذه الكلمات افتتحت الناقدة ربيعة ريحان كلمتها بالمناسبة، مؤكدة أن المحتفى به "مُبْدِعٌ لا يركبه هوس العظمة، ولهذا نلمح غيابه المستمر رغم حضور"، وذلك لأنه يتسم بـ”نظرة حائرة تسبح فيها ملائكته وشياطينه”، الأمر الذي جعل الباحثة تتساءل عن وجه شبه الخمليشي وشخصيات قصصه الوهمية؟
وأضافت الكاتبة ربيعة ريحان في السياق نفسه أن اختيارات الخمليشي: إن اختيار الشخوص لدى الخمليشي مُرَكَّزٌ جدا، ومع ذلك يتصف خطابه السردي بالغموض، وانصهار الواقع في المتخيل، بلغة خاصة، ومعجم عاميٍّ لاذع، وجمل قصيرة حاسمة وبتارة، على حدّ تعبيرها.
      أما الناقد نجيب العوفي، فشدَّدَ في كلمته على ضرورة وصف إبداعات الخمليشي” بالحوليات القصصية على غرار “الحوليات الشعرية” التي كانت في عالم الشعر القديم حين كان الشعراء يغيبون حولا أو حولين لينطقوا بمقطوعة شعرية لا تتكرر مثيلتها.
وقصص الخمليشي، حسب العوفي، يجب أن تُدْرَجَ ضمن تاريخنا الأثري المعاصر، لأنها وليدة تاريخ طويل من النضال الذي عرفه جيل 1948 منذ النكبة، مرورا بهزيمة 1967، وما وليها من انتكاسات حقوقية ومدنية، على حدّ قوله.
      يجب ألا نَغْفَلَ في حديثنا عن السياق العام المؤثر في شخصية الأمين عن الحمأ المسنون الذي عاشه المغرب في سنوات الجمر والرصاص التي كانت أدبيا سنواتٍ للحراك، فقد كان شقيقه الذهبي الخمليشي بين معتقليها الذين ذاقوا ويلات الخيمة الاسمنتية، حسب تعبير العوفي . هذه المؤثرات جعلت من الأمين الخمليشي هدوءا يسبق العواصف وبرقا يتلوه رعد قوي، أو كما قال أبو الطيب المتنبي: على قلق كأن الريح تحتي ***** أُوَجِّهها جنوبا أو شَمالا .
المحتفى به، حسب الناقد العوفي، ليس إلا ذلك الولد الشقي الذي يطل من نافذته كما يطل “حنظلة” من رسوم الفلسطيني “ناجي العلي”، وليس إلا “الثعلب الذي يظهر ويختفي” في كتابات “زفزاف”.
 وإذا عدنا إلى الوراء، يقول العوفي، فإن الخمليشي كانت له صولات وجولات داخل فضاء جامعة ظهر المهراز بفاس في الزمن الماضي رفقة كل من أحمد المجاطي، وإدريس الخوري، ومحمد الهرادي، وإبراهيم الخطيب، ومحمد بوخَزَّار، ونجيب العوفي نفسِه.
      وكانت الاهتمامات بين هؤلاء مؤتلفة ومختلفة، فالمجاطي كان مهتما بمجالات الشعر، في حين برز اهتمام الخوري والخمليشي بالقصة القصيرة، وبوخزَّار كان مهتما بكواليس الصحافة، والعوفي كان يتابع كتابات هؤلاء وينقدها، لكن المحتفى به كان يتسم بميزة خاصة، وهي أنه كان يقرأ كثيرا ويكتب قليلا، لأنه والكلام دائما للعوفي – فطن إلى ملاحظة الناقد الفرنسي “جيرار جينيتالذي قال: “مهما ألف الكاتب، فإنه يكتب نصًّا واحدا”، ولذلك فإن الخمليشي آثر إخراج نصوص قليلة محكمة وِفْقَ “خير الكلام ما قلَّ ودَلَّ ولم يُمِلَّ
ولم يجد العوفي في خاتمة حديثه عن قصص الخمليشي وصفا غير الوخز بالإبر؛ لأنها إلى جانب جمالها التعبيري ملغومة بكل ألوان الغموض، وقد استطاعت “قصة تقليدية” التي نشرتها مجلة الآداب البيروتية في ستينات القرن الماضي وبطلُها “خيرون” بطل قاصٍّ مغربي نكرةٍ أن يخترق السياج العربي ليبرهن على مكانة المغاربة في الكتابة الإبداعية القصصية في فترة ما قبل السبعينات.
      الدكتورة لطيفة لبصير ركزت في مداخلتها الاحتفائية بالأمين الخمليشي على مجموعة من النقط، أهمها أن كتاباته تسير خارج الفواصل والتنقيط، في حين أن الاستهلال يمكن يظهر في وسط النص أو نهايته، وليس في بدايته بالضرورة كما هو معتاد.
إضافة إلى ذلك، فالسارد ثرثار بامتياز، يخرج من عباءة الكاتب ليسرد كل شيء بعباراته العامية اللاذعة بالتفصيل الدقيق، بيد أن نصوصه لا تهتم بالحبكة ولا بالشخوص، وإنما تهتم باستعادة الأنفاس في الكتابات المقبلة، إذ هو ضائع في المتاهة” كما يقول جون بارت.
      ضياع الخمليشي في المتاهة هو المحور الذي شددت عليه مداخلة الدكتور حسن المودن التي تلاها على الحضور "أحمد جواد" نيابة عنه، وهي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن كتابات المحتفى به تشبه إلى حد كبير متاهات خيوط العنكبوت، التي تخلق إطارات جديدة غير مألوفة لدى القراء.
فنصوص الخمليشي، حسب المودن، يعتريها الحذف والتشويه والبتر، والكاتب هو نفسه الضحية، وهو إلى جانب ذلك ضحية القصة التي تمتلكه وتفعل فيه ما تشاء على العكس من المتداول في عالم القصة، فهي التي تتحكم فيه وليس العكس، ولهذا نلمح فيها حكايات عديدة متشابكة مؤتلفة ومختلفة ومتصادمة ومتقاطعة، بكلماتها غير المألوفة وشخصياتها الغريبة الأسماء (حمشير، خيرون، حمجيق، برشمان …).
وينضاف إلى ما سبق، اختراق الخمليشي في نصوصه كلَّ قواعد الآداب العامة، وقواعد اللغة العربية، وأدبيات الواقع، ليجعل منها نصوصا أقرب إلى اليوميِّ مع التعلق بالجزئيات والتفاصيل والوصف الدقيق غير المتناهي، على حدّ تعبير الدكتور حسن المودن.
       وقبل توقيع “عربة مدام بوفاري” للمحتفى به، شَكَرَ “الأمين الخمليشي” المسرح الوطني محمد الخامس على ما أسماه "الالتفاتة الكريمة" ، مؤكدا أن المتدخلين الأربعة بالغوا كثيرا في الاهتمام به وبنصوصه “وَزَادُوا فِيهْ”، “لأن نتاجي لا يصل إلى ما يصفون، وليس لدَيَّ ما أقوله” على حد قوله.
 ــ محمد معاذ الديوري

AchPress – آش بريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق