الاثنين، 27 يوليو 2015

محمد العربي المساري.. رحيل هرم إعلامي كبير


ـ مصطفى الزارعي

            لم يكن غريبا أن يعمد العديد من المغاربة إلى التأريخ لولادة أبنائهم ببعض الأحداث والوقائع ألمُرة والحزينة، التي عرفها المغرب، فهناك من صادفت ولادته تأثير الحرب العالمية الثانية، وما صاحبها من جوع وقحط ويُبَاس، وآخرون أرخوا لولادة أبنائهم بأنواع الأمراض التي لحقت بالمغرب آنذاك... وفي جهات أخرى من المغرب أخذت ساكنتها بمرجعيات أخرى، مثل ساكنة الشمال المغربي، ذات الارتباطات التاريخية والثقافية بإسبانيا، أرخوا لولاداتهم في هذه المنطقة بأحداث من قبيل دخول الاستعمار الإسباني، أو حرب الريف التي خاضتها جيوش عبد الكريم الخطابي ضد الإسبان، أو بداية تصاعد مد الجبهة الشعبية بإسبانيا، أو وصول الجنرال فرانكو إلى شمال المغرب لجمع المحاربين المغاربة استعدادا لمواجهة الديمقراطيين...
ولم يرم الصحافي والسياسي محمد العربي المساري سليل مدينة تطوان عن هذه القاعدة، فقد ولد بعين اسبانية وقلب مغربي، وحين يسأل عن تاريخ ولادته يقول أنه ولد في الثامن من يونيو 1936، لكن يضيف عليه لازمته التاريخية التي أضحت من قفشاته المسلية، التي عرف بها، أي أنه ولد أسبوعا قبل قيام الديكتاتور فرانكو بحركته الانقلابية في إسبانيا، ولا يتطير المساري من واقعة النحس هاته، بل يضيف إليها، أن ولادته ارتبطت بحادث قصف الإسبان لمدينة تطوان، فكان حفل عقيقته خاليا من المدعوين، وضدا على ذلك عمد والده إلى ذبح خروفين نكاية بهمجية الحرب، ودليلا على إطلاق اسمين على مولوده، فذبح الخروف الأول عن اسمه الأول، محمد والخروف الثاني عن اسم العربي، وربما لو مكنته الظروف لأضاف اسما ثالثا لابنه. وهذه الطريقة المبتكرة في حرب الأسماء، كانت أسلوب والده الذي عمد إليه للرد على قصف الأعداء لمدينته تطوان.
         وعادة ما تستبطن الأسماء قدر حامليها.. ترسم مشاوير حياتهم.. أو تضعهم سلفا في هذه الجهة أو تلك. وعندما فتح محمد العربي المساري عينيه وجد نفسه وقد خطا الخطوات الأولى في مشوار ارتباطاته بالقراءة والكتاب واُلهَم السياسي، الذي وضع جيله في فورة مواجهة سياسية مع الاستعمار بشقيه الإسباني في الشمال وفي الصحراء جنوب البلاد والفرنسي في باقي أنحاء البلاد. وكان من الصعب أن ينأى شاب عن جاذبية وشقاء زمنه السياسي، وأيضا عن أفكار مجايليه من الشباب الذين كانوا يشعون حماسا سياسيا، من أمثال خالد مشبال ومصطفى الصباغ ومحمد عبد السلام البقالي ومحمد شبعة... الذين كانوا يشكلون مع آخرين في مدينة تطوان جيل الثقافة المتحمس، أو الذين افتتنوا من قبل بعوالم الكتابة الصحفية، فأصدروا مجلة "الاعتصام"، التي كانوا يكتبونها بخط اليد، وقادتهم عصاميتهم وشغفهم بالصحافة إلى إصدار إثنى عشر عددا منها.
         ووسط فضاء تؤثثه الحاجة إلى المعرفة والكتابة والعمل السياسي، وجد محمد العربي المساري نفسه مأسورا بأرق وقلق الكتابة، صار محموما بها، يكتب، ويحاكي، ويعرض كتاباته على من هم أكبر منه، بحثا عن انتزاع مشروعية الالتحاق بمصاف الصحافيين والكتاب الذين كانت تعج بهم مدينة تطوان آنذاك، والتي كانت توزع فيها 12 جريدة ومجلة. وبموازاة مع المقالات التي كان الشاب المساري يشكل بها إخترقاته الصغيرة والمفضية إلى عوالم الكتابة الصحافية، عمد إلى الالتحاق بمجلة "المعرفة" كمصحح، وهي خطوة عادة ما تمتحن ذخيرة الصحافي اللغوية، تصقل أسلوبه، وتضعه يوميا في علاقة وتواجه ومحاكاة مع أنواع وتباينات الأساليب والكتابات. ولم يكتف المساري بهذه المحطة من العمل الصحافي أفقا لطموحاته، كان يأمل إلى اختبار آفاق أكثر غنى، واستشراف عوالم صحافية أخرى، أكثر شساعة، يقايس بقامته قامات أعلى وأرفع منه. فقد كانت أحلامه تسبقه، وكان شعاره في تلك الفترة من حياته، "لأتعلم".
          حصل المساري على منحة دراسية لاستكمال تعليمه بمصر، لكن حرب 1956 حالت دون التحاقه، فغير وجهته إلى إسبانيا، وتحديدا إلى غرناطة، الذي أضحى من كثرة ولهه بها، يعرفها ركنا ركنا.
قبل ذلك كان المساري قد نشر مقالاته في بعض الصحف العربية، وفي أخرى بأميركا مثل «النهار" و" البيان"، لكن أيضا صار مشدودا أكثر إلى عالم الكتابة، فقد أصيب في هذه الفترة بداءها الذي لا شفاء منه، ثم انفتاحه الزائد على الشأن الإسباني وتحديدا العلاقات الإسبانية المغربية، فكتب مقالات باللغة الإسبانية، وترجم العديد من النصوص الإسبانية القصصية والشعرية إلى اللغة العربية.
لم يتمكن المساري من مواصلة دراسته الجامعية بإسبانيا، فقد كان مضطرا للعمل لمساعدة أسرته، لكن رغم إكراهات التوقف عن الدراسة، وضدا على أوضاعه وظروفه، وجد المساري ملاذا في الصحافة، بيته الأثير وحاضنته المفضلة، كصحفي بالإذاعة المغربية، التي كان مسؤولا عنها آنذاك الدكتورالمهدي المنجرة، وعمل المساري من عام 1959 إلى 1964، مستفيدا من ثقافته الإسبانية التي غذت عمله الإذاعي، فكان خلال سنوات صوتا إذاعيا مألوفا ينشد قصائد إسبانية مترجمة لكبار الشعراء الإسبان، إلا أن هذه الفترة من العمل الإذاعي لم تنسي المساري أنه منذور دوما للصحافة المكتوبة، فهي قدره، الذي سيصنع به شخصية "الصحافي السياسي"، التي ستبصم مسار حياته، فحط رحاله بمدرسة " العلم" الصحافية، التي كانت تعج آنذاك بكوكبة من الأسماء التي صنعت بدايات العمل الصحفي بالمغرب. وفي هذه الجريدة سيبدأ المساري خطواته الإحترافية الأولى، ثم صحافيا بارزا فيها، ومديرا لها، ثم كاتب رأي ومؤلفا للعديد من الكتب والدراسات حول سبتة ومليلية المحتلين، وقضية الصحراء المغربية التي خصص لها كتابين على قدر كبير من الأهمية وهما، " قضية الأرض في نضالنا السياسي منذ الاستقلال " و"الصحراء المغربية من لاهاي إلى مشروع بيكر"، إلا أن كتابات المساري شملت أيضا مواضيع الديمقراطية والقضايا العربية والعلاقات المغربية الإسبانية، إضافة إلى قضايا الفكر والثقافة مثل كتابه" إسلاميات أدب المهجر".
         ومن الصحافة يرحل المساري إلى عالم الدبلوماسية، حيث ترأس البعثة الدبلوماسية المغربية في البرازيل مدة خمس سنوات، حوَّل فيها السفارة المغربية إلى مركز ثقافي للتواصل مع المثقفين والصحافيين والسياسيين البرازيليين، وكانت ثمرة هذه الفترة كتابا باللغة البرتغالية بعنوان mundo marroquinos موجه أساسا للمواطن البرازيلي للتعرف على جوانب الحياة المغربية وثقافته وقضاياه السياسية، وعندما أنهى مهمته الديبلوماسية، عاد إلى الصحافة والكتابة وكأنه لم ينقطع عنهما يوما.
وعادة ما يردد المساري الذي راكم خبرات إعلامية واسعة، وكان المقرر العام للمناظرة الوطنية للإعلام، وهي التي شكلت في وقتها ما يعد بيانا من أجل إصلاح وتغيير الإعلام المغربي، ونقيبا للصحافيين المغاربة، ووزيرا للإعلام في حكومة التناوب، "إن أهمية الخبرة ليس في معاينة ماحدث، بل ماذا يصنع الإنسان بخبرته فيما حدث". وحين يسأل عن حصة مساهمته في العمل الإعلامي، فإنه لا يجيب بمقياس الحصيلة والنتائج، بل بمزيد من الأسئلة حول أوضاع الصحافة والصحفيين.. كون أسئلته تأرق، تنحو دائما إلى تمييز مناطق التأزيم في المشهد الصحافي المغربي، وتعيد التذكير بمكرور الأسئلة التي صاحبت البدايات الأولى للصحافة المغربية، من قبيل، لماذا لا نتوفر على الصحافة التي نستحق؟
          إن المغرب لا تنقصه الشروط السياسية والثقافية والقدرة على الكتابة والإبداع، لكن مشاريعه الإعلامية تولد وهي تحمل مبرر ضعفها أو موتها أو محمولة سلفا على النعوش، ثم لا تفوته الفرصة للإشارة إلى الجرائد المستقلة التي "خرجت من الخيمة عوجاء".. فهي مجرد دكاكين صغيرة يتحكم في أغلبها " مول الشكارة"، ولا علاقة لها بقيم ومواضعات المقاولة الإعلامية الحقيقية، حتى أن السخرية تنتابه كلما أتيحت له فرصة الكلام عن المقاولة الإعلامية فيعمد إلى التذكير بما كتبه بمناسبة الذكرى الخمسين لجريدة العلم، فقيل له "إن المساري يتحدث عن المقاولة الإعلامية وكأنه يتحدث عن بيع الزيت والسكر" وهذا الكلام ورد على لسان من أعضاء حزبه.
ولا غرابة أن يكون المساري دائم الإنتقاذ ليس لصحافة حزبه، بل للصحف الحزبية بشكل عام، التي راكمت المشاكل والأزمات وتخلت عن أدوارها التوجيهية والتنويرية لفائدة صحف تمتهن بيع العناوين، أشبه بعارضات من البلاستيك للألبسة، جمال وقوام، لكن بدون رائحة ولا طعم، لا تأسس لمثل وقيم صحافية، ولانفع أوفائدة منها.
         ويبقى المساري أكثر الشخصيات ميلا للحوار، لا ينأى عنه، ولا يمل منه، شأنه كذلك في حزبه، وفي مسؤوليته كنقيب للصحافيين المغاربة، حيث عرفت النقابة في عهده أزهى فتراتها، وإجماع غير مسبوق للصحافيين عليها، بل واتساع المسافة فيها بين ما هو سياسي حزبي وماهو نقابي.
ويحسب للعربي المساري وهو وزيرا للاتصال إشرافه على وضع معظم مشاريع إصلاح المجال السمعي البصري المغربي، دون أن تمكنه الاعتراضات ومزالق ومزايدات الخصوم في الحكومة وخارجها من تنفيذ أي منها، مما دفعه إلى وضع استقالته مرتين خلال سنتين فقط من عمر وزارته.
بعد استقالته، انسحب من الحياة السياسية، أو على الأقل التنظيمية والحزبية منها.. ثم توارى إلى الكتابة والبحث.. ثم خفت صوته، وأصبح لايسمع.. ودخل مليا في صمت ونسيان.. لكن للأسف لم نعرف أنه كان يداري احتضاره الأخير، وأنه يستعد إلى الرحيل... حتى يوم أمس لم يتذكره أحد، لكن بعد سماع خبر رحيله اليوم، قد يتذكر الجميع، أن السي العربي كان له قلب رجل حزين يحس بقدر كبير من النسيان والغياب، وظلم ذوي الأقلام وسكاكين السياسة، وسموم الحزبيين، وعويل النقابيين..
رحم الله السي العربي...

السبت، 18 يوليو 2015

المهرجان الغيواني يحتفي بالفنان "الأصبهاني مولاي الطاهر" ..


         ضمانا للاستمرار الفني والثقافي للأغنية الغيوانية، تنظم جمعية " مؤسسة المهرجان الغيواني " أيام 25/24/23/22 من شهر يوليوز الحالي، النسخة الخامسة من المهرجان الغيواني الذي يحتفي في دورته هذه بالفنان المؤسس و عضو مجموعة جيل جيلالة الأصبهاني مولاي الطاهر .
       وعلى غرار باقي الدورات السابقة للمهرجان، فهذه التظاهرة تسعى إلى إحياء ظاهرة الغيوان التي باتت ركنا فنيا باهتا في ظل ما عرفه العصر من متغيرات وأصناف موسيقية دخيلة تحظى باهتمام كبير من لدن القناتين المغربيتين الأولى و الثانية وجميع فئات المجتمع وخاصة منهم الشباب.
      ويأتي تنظيم هذا المهرجان من أجل احتضان كافة الأفكار والاقتراحات الكفيلة بتطوير وتجديد الفرجة ودوام استمراريتها لهذا النوع الغنائي المتجذر في عمق ثقافتنا وهويتنا المغربية، وخاصة بمدينة مراكش التي ظلت المهد والحضن الدافئ لجميع الفنون بمختلف أشكالها وأصنافها.

الجمعة، 17 يوليو 2015

الاتحاد الدولي للصحفيين يدين مقترح الحكومة المصرية في إطار قانون مكافحة الإرهاب الجديد ..


         بينما رحب الاتحاد الدولي للصحفيين بالتعديل على مسودة القانون المصري الجديد لمكافحة الإرهاب الذي أسقط عقوبة السجن لمدة تصل الى عامين لنشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية تخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، غير أنه أدان قرار استبداله بغرامة مالية تتراوح ما بين 23000 ويورو 58000 لنفس المخالفة، بموجب المادة 33 من مقترح القانون.
        وقد استنكر الصحفييون المصريون هذا البند المثير للجدل معتبرينه هجوما على استقلاليتهم. ودعم الاتحاد الدولي للصحفيين اليوم نقابة الصحفيين المصريين في معارضتها للبند، مطالبةً بإلغاء المادة بأكملها من مقترح القانون. وقالت نقبة الصحفيين المصريين  إن هذه الغرامة هي "نوع آخر من السجن" حيث أنها تتجاوز إمكانيات معظم الصحفيين .
ويأتي قرار الحكومة يوم أمس الخميس بالموافقة على تعديل البند، بعد أن قدمت نقابة الصحفيين اعتراضاً قانونا يشير إلى أن مقترح القانون يشكل انتهاكا صريحا لحرية الصحافة، و يخالف الدستور المصري الذي اعتمد في عام 2014.
        وقالت نقابة الصحفيين المصريين :" لقد خلق هذا التعديل نوع آخر من السجن" وادانت المنطق الشمولي للقانون والذي يهدف إلى إسكات كافة الأصوات المعارضة في مصر. وقالت نقابة الصحفيين في اعتراضها: "تخالف المادة 33 نص المادة 71 من الدستور والتي تنص على:  يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووســائل الإعلام المصــرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز إستثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا توجد نصوص بديلة لهذه المادة تتصدى لنشر الأخبار الكاذبة بسوء قصد في مواد القوانين الأخرى ".
        و تقود نقابة الصحفيين المصريين النضال من أجل حماية حرية الصحافة والصحافة المستقلة في مصر في ظل تزايد الضغوط على الحريات المدنية في البلاد. ويذكر أن 17 حزبا سياسيا مصريا اجتمعوا الأسبوع الماضي في القاهرة تحت شعار "مصر تكافح الإرهاب".  واتفق المشاركون في البيان الذي صدر عن اللقاء على أن مشروع القانون (الذي تضمن حبس الصحفيين) يتوافق مع الدستور المصري، ودعوا نقابة الصحفيين المصرية لإسقاط معارضتها لمشروع القانون وإلى "مراعاة الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن."
      ويساند الاتحاد الدولي للصحفيين مطلب نقابة الصحفيين المصرية باسقاط هذه المادة المثيرة للجدل كليا. وقال جيم بوملحة رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين: "تسعى الحكومة المصرية الى ترهيب الاعلام ليتبع الخط الرسمي من خلال فرض غرامة باهظة، وهذا أمر مرفوض تماما. إننا نقف الى جانب زملائنا في نقابة الصحفيين المصريين في معارضتهم للمادة الجديدة ومقاومتهم لاعتبار التصريحات الرسمية مصدرا وحيدا للحقيقة، وبأن يكون الاعلام ناطقا بلسان  السلطة. لقد كانت الصحافة دائما هي التي تفحص وتعيد فحص جميع المصادر والأخبار لتتمكن من تقديم الحقيقة الكاملة للمواطنين. ويلعب الصحفيون المصريون دورا حاسما في قول الحقيقة للسلطة، وهم أبطال الدفاع عن الصالح العام بغض النظر عمن يحكم مصر الآن. ان استبدال الحبس بغرامة لا يغير من حقيقة أن القانون لا يزال يهدف إلى تكميم حرية الصحافة."
ووفقا للتقارير، فإن هذه المادة من مشروع قانون مكافحة الارهاب جاءت كردعلى تغطية الاعتداءات المسلحة على جنود مصريين في سيناء في 1 تموز/يوليو الماضي بعدما اعطت عدة  وسائل الاعلام ارقاماً عن الخسائر أعلى من الأرقام التي قدمها المسؤولين الأمنيين. ويحتاج مشروع القانون إلى موافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتوقيع عليه ليصبح قانونا نافذا.

2015-07-17