الجمعة، 12 يوليو 2013

كسر الخاطر ... الرسول (ص) .. على «الجزيرة مباشر»


ـ عبد الحميد جماهري      

        لن يتراجعوا، ولن يتوبوا عن جهالة أصبحت جزءا من السياسة الهجومية. من هم؟
هم دعاة الدم في حدائق الشر الجديدة، دعاة القتل باسم الله وباسم محمد رسوله. رأيت ذلك بأم عيني وسمعته بأذنين سيسألهما الله ويسأل اللسانين واليدين: سمعت، رأيت حشود ميدان رابعة، وسمعت الداعية يقول: كان معنا رسول الله، وكانت طائرة ترشنا بالرصاص وصرخنا، الله أكبر فسقطت الطائرة. وسمعت الحشود تكبر، وسمعته يضيف : يقول لكم رسول الله «دوسوهم بالجزم» (گزم، حسب اللهجة). فقلت بغضب: رسول الله يتحدث إلى أنصار مرسي، عبر قناة «الجزيرة مباشر» ويدعو إلى دوس المصريين بالكزم.وبعد ذلك ، يقوم شخص يقول هذه المبشرات ترفع الغم أو بعضه.
      فكرت كيف يصبح الرسول عليه الصلاة والسلام جزءا من لعبة السلطة ، كيف لم يكتشفونه قبل أن يصبحوا يدافعون عن السلطة (وقد يكون لهم فيها حق كبير للغاية ، لا دخل للرسول عليه الصلاة والسلام فيه).
لم يكن هناك حرج بالنسبة للكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية المغربية ، من أتباع ياسين رحمه الله ، في أن يعيدوا علينا هذه المبشرات، والتي وصلت إلى حد الخيال الممتع أحيانا، والمهلوس أحيانا كثيرة ، لكن قيل وقتها أن الرجل من دعاة التصوف ومن تربيته أن يميل نحو الحسيات ، وما هو خارج المدرك. وكان الذين ينهالون عليه بالفتاوى والقراءات النصية هم ... الإخوان المسلمين. وهم الذين يقفون اليوم في الساحات ويتحدثون باسم خاتم الأنبياء.
ألا يفكرون في عاقبة ما يقولون عندما تنقشع أغبرة السياسة وتتضح موازين القوى بين الجيش والشعب والشرطة والقضاء والإعلام من جهة ، وبين الإخوان وأنصارهم من جهة ثانية؟
ماذا عندما يخسر الإخوان المعركة سياسيا ومؤسساتيا، ألا يفكرون في شعورآلاف المؤمنين من أتباعهم وكيف سيشعرون وقد «تخلى عنهم رسول الله». ألا يفكرون في ما سينعكس ذلك من شعور إزاء الرسول عليه السلام الذي لم يعد مرسي إلى الكرسي؟ أيحبون أن يضحوا بصدقية المشاعر إزاء رسول الله الأعظم مقابل تجييش سياسي محكوم بالزمان والمكان؟
       محمد عليه السلام عاش كما يعيش البشر، وكانت يد ربه معه، وخسر المعارك وربح معارك أخرى كالبشر.
محمد عليه الصلاة والسلام مات، ولم يقل أحد بأن الإسلام مهدد بعد موته.وخليفته أبو بكر مات، ولم يقل لنا أحد بأن الإسلام مهدد بعد وفاته، وعمر قتل، ولم يقل أحد أنها حرب على الإسلام باغتيال عمر، وقتل علي، ولم يقل أحد إنها حرب على الإسلام، باغتيال علي...
ولما تم عزل مرسي، ومرسي حي يرزق، رفعوا الألسنة وقالوا إنها حرب على الإسلام.وأن الرسول يدعو إلى دوس المصريين والجيش بالجزم.
الأدهى أن الطائرات، المفترض أنها طائرات الجيش ستسقط، بمؤخر البركات التي جمعها الداعية في .. منامه. يبدو الشيخ ياسين رحمه الله، علمانيا أمام هؤلاء حقا!.
       في الجزيرة ، التي تستضيف محللين سياسيين أمريكيين لإقناعنا بأن الشرور كلها بدأت في مصر، وأن الشرعية هي آخر ما وصلت إليه البشرية، في«الجزيرة مباشر»، التي تحتوي على آخر ابتكارات البشرية في علوم تقنيات التواصل، في «الجزيرة»، لا يتورعون في نقل مثل هكذا كلام، بلا وزاع مهني أو ديني يحمي رمزية الرسول (كحقوق محفوظة للمسلمين جميعا) من استغلال بشع وفظيع حقا. هل كان الإخوان في حاجة إلى مثل هذه التخريجات الآن؟ لا أعتقد، فهم يملكون، تجذرا وحضورا وشرعية سياسية وما يكفي من هوامش الفعل، في وضع مصري مرتبك، إلى جانب قوى أخرى قريبة أو بعيدة منهم، لكنهم عندما يلجأون إلى مثل هذه الانحرافات، يمكن القول إن السيد محمد كرسي، عفوا مرسي أصبح أكثر قدسية من أي كان في الاعتقاد الاسلامي..

      لنعد إلى تاريخهم : ماذا كان الموقف عندما قيل إن أحد المنشقين عن المؤسس حسن البنا رأى النبي يدعوه إلى مناهضة المرشد؟ هذه الحكاية سبق وأن قرأتها في عمود للكاتب والصحافي الجميل بلال فضل، جاء فيها ربما يدهشك أن تفنيد لظاهرة ادعاء رؤية النبي في المنام، كان على يد الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، والذي فعل ذلك أثناء سعيه لوأد أول انشقاق شهدته جماعة الإخوان عليه، والوقائع المدهشة يرويها أبرز مؤرخي الجماعة وأكثرهم مصداقية وشعبية داخل الجماعة محمود عبد الحليم فى كتابه «الإخوان المسلمون ـ رؤية من الداخل»، والذي يحكي لنا عن انشقاق خطير قاده إخواني شاب اسمه أحمد رفعت أخذ يعترض على كل تصرفات حسن البنا، وبدأ شباب الجماعة يتجمعون حوله شيئا فشيئا، مما أصاب حسن البنا بالقلق الشديد، كان رأي أحمد رفعت الغاضب يتلخص في أن الإخوان يجاملون الحكومات ويتبعون معها سياسة اللف والدوران وعدم المواجهة، وأنهم مقصرون تجاه الجهاد في فلسطين، وأنهم يجب أن يوزعوا زجاجات حبر على بعضهم ويدوروا في شوارع القاهرة لإلقائها على المتبرجات، وبدأت أفكاره تلقى رواجا لدى شباب الجماعة، وزاد من انتشارها خطورة أنه ادعى أن سيدنا النبي يأتيه في المنام ويوجه إليه هذه الأوامر، وقد صدقه في ذلك عدد كبير من أعضاء الجماعة يصفهم محمود عبد الحليم بأنهم «من أكرم الإخوان وأخلصهم، بلغت نفوسهم درجة من الشفافية حتى حلقت مع الملائكة»، وعندما زاد تحلق هؤلاء حول رفعت، تمادى وبدأ يدعي أنه يتلقى من النبي الأوامر جهارا نهارا وهو في تمام اليقظة، وأن سيدنا النبي يحضر معه الغداء ويتناول معه الطعام، وعندما تزايد مؤيدو رفعت، أخذ البنا قرارا بمقاطعة المركز العام الذي تكاثر فيه أنصار رفعت، ووجد صعوبة في الرد على ادعاءات رفعت، لولا أنه وقع على رأي فقهي للإمام الشاطبي وجد به ردا شافيا استطاع من خلاله القضاء على هذه الفتنة التي كادت تودي بالإخوان .
      كان رفعت يعتمد في إثبات ما يدعيه على الحديث الصحيح الشهير «من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل بي»، وهو ما رد عليه الإمام الشاطبي صاحب كتاب «الإعتصام» الشهير برأي فقهي يغلق الباب في وجه الخرافة والنصب إلى الأبد، أو هكذا يفترض، حيث قال إن من يدعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كاذب إذا كان لم يعاصر النبي ولم يعرف ملامحه، وكما يقول الإمام الشاطبي في اجتهاده الذي استند إليه حسن البنا، «فإن الحديث الوارد عن صحة رؤية النبي في المنام حديث صحيح دون شك، لكنه موجه إلى فئة معينة، هي فئة الصحابة دون غيرهم، لأنهم وحدهم الذين رأوه رأي العين وفي مخيلتهم صورته الحقيقية، وهم بذلك الذين يستطيعون إذا رأوا في منامهم من يدعي أنه رسول الله أن يحكموا هل من يتمثل صورته صادق أم كاذب؟، أما من سوى هؤلاء الصحابة ممن لم يروا النبي رأي العين، فكيف لهم إذا جاءهم في المنام من يدعي أنه رسول الله أن يحكموا بصحة ادعائه وليس في مخيلتهم صورته صلى الله عليه وسلم، ولذلك يكون من ادعوا وسيدعون رؤية النبي في المنام ممن لم يعاصروه ولم يعرفوا صورته، إما كاذبين أو حسني النية شُبِّه لهم أنهم رأوه».

                                                                                                                       الاتحاد الاشتراكي12/7/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق