الأربعاء، 23 أبريل 2014

المجموعة القصصيّة «ملحمة الليل» لمحمد الشّوبي : حين تستسلمُ الشخصيات لمصائرها وبوْحها ..


ــ مصطفى النحال
        
         أربعة وعشرون قصّة هي الفضاء التخلييلي الذي استثمر فيه الفنان والممثل المغربيّ محمد الشوبي إمكاناته السردية في مجموعته القصصيّة الأولى الذي اختار لها عنوان «ملحمة الليل». ولعلّها المرّة الأولى التي يصدر فيها فنان له موهبة كبيرة في التلفزيون والمسرح والسينما. بل أكثر من ذلك ، إنّ الشّوبي من الفنانين القلائل الذين يمكن القول بأنّهم «منخرطون» في الشأن الثقافي والاجتماعيّ والديني، ولا يتردّد في التعبير عن رأيه الشخصيّ دون ممالأة ولا وَجَل.
         تيمات المجموعة غير كلاسيكيّة، إذا صحّ التعبير، فهي تدور حول موضوعات تبدو هامشيّة: حيوات الناس الداخلية، نفسيا واجتماعيا: الخيانة، الملل، القلق النفسي والعاطفيّ، النفاق، التناقض العاطفي. لهذا السبب، لا نجد في المجموعة أوصافا متتالية لأحداث ووقائع، بقدْر ما تحضر تشخيصات ذات طابع تأملي في الحياة الداخلية للناس، هؤلاء الذين لا يتحدثون إلى ليْلا، أليْست هي «ملحمة الليل» الذي يكون أخفى للويل. في الليل يسكن الناس ويلوذون بأسرّتهم التي تفتح لهم باب البوح والكشف والاعتراف.
       أما على مستوى هندسة الشخوص، فالملاحظ أنّ معظم شخصيات المجموعة بدون أسماء وبدون ملامح خارجيّة إلاّ فيما نَدَرَ (الرّوبيو، بنان، يوسف، سميرة). وكأنّ قصص المجموعة لا يهمّها وصف شخصيات بعيْنها، بقدر ما تسعى إلى رسْم ملامح عامة وتضاريس لنماذج تعيش هنا والآن، نماذج بشرية نصادفها كلّ يوم، في الشارع، في العمارة، في العمل. تغيب الأسماء في المجموعة لكنها تحضر من خلال الاعتراف والبوْح والكشف عن الدواخل الإنسانية التي «غَلَبَها الوقت»، غلبها الزمن واستسلمت إليه منقادة، استسلمت للخيانة والسلبية والسكون. من بين هذه النماذج، يحضر الرجل المتديّن، الذي يظهر تديّنه وورعه، غير أن حقيقته الداخلية مليئة بالكبت والرغبة في المرأة باعتباره شهوة لا غير. كما تحضر نماذج إنسانيّة ليست أقلّ سلبية. قصص الشوبي هنا لا تقدّم من الشخصية سوى ضروراتها القصوى؛ إذ ربما تكتفي منها بنظرة من عينيه، أو إشارة من إصبعه، أو كلمة من شفتيه، ويبدو عندها رسم الشخصية أكثر اختزالاً، وأندر تنوعاً، وأقل عدداً مما نراه في القصة القصيرة عادة.
       وإذا كان الفضاء في «ملحمة الليل»، يتوزّع بين فضاءات خارجيّة محدودة (الرباط وشوارعها، البحر، الشارع...)، وداخليّة (البيوت، الغرف، العمارة...)، فإن الزّمن الذي يخترق نصوص المجموعة ككلّ، كالنُّسغ الذي يسري في عروقها، هو الليل بامتياز. وربما لهذا السبب اختار الشوبي عنوان إحدى قصص المجموعة، «ملحمة الليل»، عنوانا لها : الليل هو زمن كل الممنوعات والويلات والخيانات وأشكال الكذب والأسرار. الليل هو أيضا زمن البوْح والكشف والتسارّ. الليل، كما نقرأ في القصة التي تحمل عنوان المجموعة ، والتي يمكن اعتبارها بنية صغرى للمجموعة ككل:»الليل يعرّي الأفكار التي تأتي خلسة إلى عشيرة البشريّة (...) لأنّ الأفكار تحبّ أن تتعرّى ليلا، الليل هو آلة المجون والملذات، وهو ربّ وسيد الاعترافات والتداعيات» ص.73. فهذا رجل، قد يكون طبيبا أو عسكريا، يعترف بل ويقبل بخيانة زوجته طمعا في مال خليجيّ، وهذه امرأة تعترف وتقبل بحياتها المتقلّبة ، وهذا رجل ملتح يكذب ويتناقض وينافق الخ.
      «ملحمة الليْل» تقوم، في مستوى الكتابة، على الجمل السردية القصيرة، مما يجعل بنيتها السردية ذات طابع مشهديّ وكأنّ الأحداث والأوصاف تجْري أمام القارئ، وبالخصوص في القصص التي تُروى بضمير المخاطَب (هذا الصباح. حملت حالتك إلى مسافة أبعد من السرير. مرت صورتك أمام مرآة. قدفك باب صغير إلى الحمام. حالة من الهستيريا انتابتك عندما رأيت عضوك يسقط منك. حاولت إعادته، لكن بدون جدوى). هل هي عين الممثل المشخّص التي تنسل إلى الكتابة؟ ربما. ينتج عن هذا البنية الجمْليّة القصيرة، تميزها بالعديد من التكسيرات والتشابكات المتداخلة، بحيث تنتفي الخطية، في هذه المجموعة، أمام هيمنة التناوب الحكائي فيها، وذلك على اعتبار كونها مجموعة تقوم بنيتها الحكائية على تضْمين سلسلة من المحكيات الصغرى.
     من بين الملامح القصصية المثيرة في «ملحمة الليل» تحضر السخرية كمكوّن أساسيّ، سواء عبر توظيف نماذج من التراث العربي الإسلامي ( شعر، لغة تراثية)، كباروديا للسخرية من سلوكات في الحاضر، أو عبر استعارات ومجازات يمتزج فيها الإنساني بالطبيعي (البحر الذي يصبح حانة، أمواج البحر، الصخر...). ولعلّ هذا الملمح هو الذي انتبه إليه، في تقديمه للمجموعة، الإعلامي حسن نرايس معتبراً أنّ السخرية تقنية أدبية يبدع فيها الكاتب. السخرية سلاح ومواجهة ووقفة في وجه الظلامية... السخرية أسلوب والأسلوب هو الرجل».
هذه المجموعة القصصية الأولى للفنان محمد الشوبي تحتاج إلى ما بعدها. تحتاج إلى الاستمرارية التي من شأنها إنضاج عدد من العناصر والمكوّنات القصصية، وخصوصا على مستوى الكتابة واللغة القصصية الواعدة .
22/4/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق