السبت، 27 ديسمبر 2014

المقال الذي حوكم بسببه الكاتب الموريطاني "محمد الشيخ ولد امخيطير" بالاعدام بتهمة الاساءة للرسول

محمد الشيخ بن محمد ولد امخيطير 

حكمت المحكمة الجنائية بمدينة نواذيبو، مساء الأربعاء 24 دجنبر 2014 ، بالإعدام حداً على المواطن الموريطاني ولد امخيطير بسبب كتابة المقال الذي إعتبر مسيئا للرسول محمدوقد طالبت النيابة العامة في مرافعاتها بالإعدام رمياً بالرصاص في حق المتهم، وذلك وفق المادة 306 من القانون الجنائي الموريتاني الذي يستمد أحكامه من الشريعة الاسلامية .. وفيما يلي مقالة محمد الشيخ ولد امخيطير التي جرته لمقصلة الاعدام ..


الدين و التدين و "لمعلمين"

لا علاقة للدين بقضيتكم أيها لمعلمين الكرام فلا أنساب في الدين و لا طبقية و لا "أمعلمين" و لا "بيظان" و هم يحزنون......
 مشكلتكم إن صح ما تقولون يمكن إدراجها فيما يعرف بـ"التدين"..... تلكم أطروحة جديدة و قد وجدت من بين لمعلمين أنفسهم من يدافع عنها....
 حسنا....
 دعونا الآن نعود للدين و التدين حتى نتبين موقع الأنساب و الطبقية من الدين...
 ما هو الفرق بين الدين و التدين...؟
 يقول الدكتور عبد المجيد النجار (إن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين ؛ إذ الدين هو ذات التعاليم التي هي شرع إلهي، والتدين هو التشرع بتلك التعاليم ، فهو كسب إنساني. و هذا الفارق في الحقيقة بينهما يفضي إلى فارق في الخصائص، واختلاف في الأحكام بالنسبة لكل منهما)(كتاب الأمة).
 إذن: الدين هو وضع إلهي و التدين كسب بشري.....
 متى كان الدين و متى كان التدين...؟
 مما لا شك فيه أننا إذا قسمنا الفترة الزمنية للإسلام إلى قسمين سنجد:
    - فترة حياة محمد و هي فترة دين
    - ما بعد محمد و هي فترة تدين
 تعالوا بنا لنأخذ بعض المشاهد من عصر الدين:
    الزمان: بعيد معركة بدر 624 ميلادية
    المكان: يثرب
    ماذا حدث ؟
 الأسرى من قريش في قبضة المسلمين، و الحكم قد صدر بمايلي:
 قال المستشار الأول لرسول الله أبو بكر الصديق: "يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا".
 ملاحظة: من هم الكفار إذا هنا في رأي أبي بكر....؟
 ثم كان بعد ذلك قرار أبي بكر هو القرار النهائي مع إضافة عملية التعليم لمن لا يملك المال.
 لكن مهلا.... لقد كانت هنالك حالة استثنائية فقد أرادت زينب بنت رسول الله افتداء زوجها أبي العاص بقلادة لها كانت عند خديجة ، فلما رآها رسول الله رقّ لها رقّةً شديدة ، وقال لأصحابه :( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فوافقوا على ذلك )، رواه أبو داود .
 برأيكم ما هذا الاستثناء.....؟
    الزمان: 625 ميلادية
    المكان: أحد
    الحدث: قتال بين المسلمين و قريش
 قريش في مواجهة المسلمين انتقاما لبدر و رغبة في القضاء على محمد و أتباعه .هند بنت عتبة تستأجر وحشي لقتل حمزة مقابل حريته و مكافأة مالية تتمثل في حليها.
    هند تصل للهدف و تمثل في جثة حمزة.
 و بعد سنوات عدة و أيام ما يعرف بفتح مكة دخلت هند في الإسلام لتنال اللقب الشهير "عزيزة في الكفر ... عزيزة في الإسلام" أما وحشي فأمره النبي أن يتوارى عن أنظاره عند دخوله الإسلام .
 هند قرشية و وحشي حبشي و إلا فما هو سبب التمييز بينهما و هم في الجرم على الأقل سواء أو إن شئتم الدقة فهند هي المذنب الحقيقي و ما ذنب عبد مأجور.
 دائما و في نفس المعركة – أحد- و لنقارن ما حدث لـ"وحشي" مع دور شخص آخر هو خالد بن الوليد حيث أن هذا الرجل كان السبب الرئيسي في هزيمة المسلمين في "أحد" و قتل عددا من المسلمين و عند دخوله الإسلام أخذ اللقب الشهير "سيف الله المسلول" ، فلماذا لا يتم استقبال وحشي و يأخذ مثلا لقب "حربة الله التي لا تخطئ الهدف".....؟.
    المكان: مكة
    الزمان: 630 ميلادية
    الحدث: فتح مكة
    ما هي النتيحة....؟
 نال أهلُ مكة عفوًا عامًّا رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول محمدٍ ودعوته، ومع قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم، وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول محمد فيهم، فقال: «ما تظنون أني فاعل بكم؟»، فقالوا: «خيرًا أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ»، فقال: «لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ» و عبارة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي، وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها، وعدم فرض الخراج عليها، فلم تُعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى.
    المكان: حصون بني قريظة
    الزمان: 627 ميلادية
    الحدث: إبادة بني قريظة
 السبب : 1- تآمر رجالات من بني قريظة ضد المسلمين في حصار الخندق _ هم القادة فقط إن عممنا مع العلم أن هنالك آية تقول : " و لا تزر وازرة وزر أخرى...."-
    2- وقد ثبت أن النبي قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة وقد حاصرهم :" يا إخوة القردة والخنازير و عبدة الطواغيت أتشتمونني ؟ قال فجعلوا يحلفون بالتوراة التي أنزلت على موسى : ما فعلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا ثم قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرماة من أصحابه .
 وقد ناداهم بذلك لشتمهم إيَّاه. (الطبري(2/252) تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وذكره ابن كثير بتحقيق الوادعي:(1/207)
    أريد هنا قبل أن أواصل أن أشير إلى أننا في سياق الحديث عن النبي فنحن نتحدث عن ما يمكن تسميته "العقل الشامل" بدليل أنه لا ينطق عن الهوى.
 و نعود للمقارنة بين الحالتين – مكة و بني قريظة-:
  بنو قريظة هموا بالتمالؤ – و الأمر لم يحدث - مع قريش من أجل القضاء على محمد و دعوته. فتم العفو العام عن قريش و نفذ الإعدام في بني قريظة سيان من هم بنقض العهد أو من لم يهم بذلك فقد تم الحكم على بني قريظة، فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل، ومن لم ينبت جعل في الذراري، الراوي: - المحدث: ابن الملقن - المصدر: البدر المنير - لصفحة أو الرقم: 6/670 خلاصة حكم المحدث: صحيح مشهور.
 وهذا غلام ويُدعى عطية القرظي، لم يُقتل لأن المسلمين كشفوا عن عورته و لم يجدوا شعراً (دليل البلوغ) فنجا من السيف المحمدي.
 عن عطية القرظي، قال: كنت من سبي قريظة، عرضنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا ينظرون؛ فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي. الراوي: عطية القرظي المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - لصفحة أو الرقم: 3901 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
 قريش واجهت المسلمين في أكثر من معركة و حاصرتهم حصارا شديدا في الخندق و في بدايات الدعوة انتدبت أربعين شابا لقتل محمد ليلة الهجرة و قبل الهجرة و في مكة قتلوا و عذبوا المسلمين أشد تعذيب و في فتح مكة وجدوا أمامهم أخا كريما و ابن أخ كريم فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
 بني قريظة فقط هموا بالتحالف مع المشركين فكان جزاءهم القتل الجماعي.
    أين راحت الرحمة.....
    أم أن للأخوة و "أَتْبَنْعِيمَه" دورها في "العقل الشامل/المطلق".
 و كخلاصة:
  إذا كان مفهوم " بنو العم والعشيرة والإخوان" يجعل ابا بكر يحجم عن قتل المشركين و علاقة الأبوة بين زينب و الرسول تمنحها إطلاق سراح زوجها مجانا ، و الانتماء القرشي يعطي ألقاب البطولات للقرشيين و يمنعها عن الحبشيين.
و الأخوة و علاقة الدم و القربى تمنح حق الرحمة لقريش في الفتح و تحرم بني قريظة من ذلك الحق.
 و كل هذه الأمور تتم في عصر الدين فما بالك بعصر التدين.
 إخوتي
 أريد فقط أن أصل معكم – و أخاطب لمعلمين أساسا – أن محاولة التفريق بين روح الدين و واقع التدين هي محاولات "طيبة لكنها لا تنافس" فالحقائق لا يمكن طمسها، و هذا الشبل/البيظاني من ذاك الأسد...
 و أن الذي يعاني يجب أن يكون صريحا مع ذاته في سبب معاناته مهما كان السبب، إذا كان الدين يلعب دورا فلنقلها بأعلى صوت: يلعب الدين و رجال الدين و كتب الدين أدوارهم في كل القضايا الاجتماعية من: قضايا لحراطين و لمعلمين و إيكاون الذين لا زالوا صامتين رغم أن الدين يقر بأن مأكلهم حرام و مشربهم حرام و عملهم حرام....... 

محمد الشيخ بن محمد ولد امخيطير موريطانيا
    

الخميس، 11 ديسمبر 2014

"ما أحلى الرجوع إليه".. كاتبة - وزيرة بحرينية تتحرر من قيود المنصب، لتعود إلى عشها الأول

سميرة رجب، وزيرة الدولة لشؤون الإعلام بالبحرين سابقا

شهادة صادقة في حق سيدة فاضلة ومحترمة.. صحفية - وزيرة يرجع لها الفضل الكبير في إقرار اعتماد الوكالة رسميا بالمنامة.. نعم الاخلاق ونعم التعامل المهني الراقي.. الأذن الصاغية والمكتب المفتوح دوما ..


ـ المراسل الدائم للوكالة بالمنامة .. أحمد الطاهري /11 دجنبر 2014 /ومع/
         
         أعلنت الصحفية البحرينية سميرة رجب، وزيرة الدولة لشؤون الإعلام بالبحرين سابقا، عما يشبه ولادة جديدة لها.. تحررا من قيود والتزامات المنصب الرسمي يخلص من إكراهات الواجب، وعودة للقلم تتيح للذات الإفصاح عن هواجسها وأفكارها ومواقفها بحرية وطلاقة، على درب الانطلاقة الأصلية الأولى.
"
ما أحلى الرجوع إليه"، هكذا عنونت الوزيرة، الناطقة الرسمية باسم الحكومة سابقا، أول مقال نشرته بجريدة (أخبار الخليج) البحرينية بعد خروجها من التشكيلة الحكومية الجديدة. ثمة انتشاء بتنسم هواء الكتابة الطلق، مع إقرار بصعوبة العودة إلى الكتابة بعد غياب طويل ومرهق في "عمل كان مستمرا على مدار ساعات اليوم والأسبوع، من دون توقف".
"
شعوري بالحرية لا يوصف، فأنا متحررة من قيود المنصب الذي احترمته وأعطيته كل وقتي وجهدي وما أملك من معرفة وخبرة إلى آخر لحظة قبل صدور مرسوم التشكيل الوزاري الجديد".. شغف الكتابة لا يضاهيه بريق المنصب والوجاهة، وعشق القلم لا توازيه مغريات المقعد الوثير.. هي الحرية منفلتة من عقال واجب التحفظ والالتزام الرسميين.. متعة إطلاق عنان الفكر خارج دائرة الروتين والصرامة الإداريين..
       ولكي لا يذهب القارئ بعيدا في تأويل دوافع الخروج من المؤسسة، جاء توضيح الصحافية المتمرسة قاطعا، فهي تعبر ببساطة عما يخالجها من مشاعر مع كتابة المقال الأول، وفي اليوم الأول بعد مغادرتها المنصب الوزاري، الذي تعتقد أنها لن ترجع إليه مرة أخرى، وبعد رفضها لما عرض عليها من مناصب أخرى كتعويض.
المقام الرسمي لم يكن يسمح بتعرية وإدانة دسائس وحروب صغيرة تكشف عن علل سلوكية تسم العقلية الشرقية حتى داخل المؤسسة نفسها. لكن والمسافة باتت متاحة حيال دائرة الضوء المسلط على المنصب، حل وقت "تصفية الحساب" والمكاشفة بالصراحة والجرأة اللازمتين في هكذا موقف، حتى وإن جاء البوح مؤلما وجارحا.
"
ليس من السهل العودة إلى الكتابة من موقع كان يلزمني احترامه أن أعمل بصمت في مقابل الأصوات العالية التي حاولت النيل مني بجميع الوسائل ومن شتى المواقع، بدءا بمن كانت عيونه على المنصب ويحفر للفوز به، وانتهاء بمن وصل إلى حد المساس بشرفي من بعض الحاقدين والفاشلين الذين لا يملكون شرفا أو أي احترام أو أخلاق".
         بنبرة الوجع والحرقة ذاتها، تعلو فضيلة الجهر بالحقيقة وإن كلف الأمر تسجيل نقاط إيجاب لدى الخصوم السياسيين.. "والحق يقال إن هؤلاء لم يكونوا من طرف المعارضة التي واجهتها دائما بكل شراسة، لا بل كان للأسف الشديد من الضفة الأخرى، من داخل المؤسسة التي أقدرها وأدافع عنها دائما.. ما يحز بالنفس أكثر أنه لم يفزع لي فرد واحد من داخل هذه المؤسسة".
في ما يشبه صرخة انعتاق من قيود الوظيفة الرسمية، جاهرت الوزيرة السابقة بحقها المهني، منذ اليوم، في حرية التعبير، كمواطنة وصحفية، دفاعا عن أرضها ووطنها، راسمة وجهة مسار مجال اشتغالها الحيوي.. "والوعد أن أبدأ من مقالي القادم مسار عمود الرأي المسؤول والمستنير الذي تعودتموه... ليكون منبرا وطنيا عربيا يفتح المزيد من آفاق المعرفة ويفتح العقل والذهن للتساؤل والمزيد من البحث والتقصي".
       من عاين عن قرب المسار الوزاري لمسيرة رجب يقر بأن القيم النبيلة والأخلاق الراقية لمهنة الصحافة ظلت تنير سلوكها وعملها.. البساطة والعفوية تقطعان مع البروتوكول والفوقية.. الجرأة والشجاعة والصلابة في التعبير عن الموقف نقيض التكتم والتواري وامتشاق لغة الخشب.. الإنصات للآخر والحوار الرصين عوض النبرة العالية والجدل العقيم..
في آخر ظهور رسمي لها بمناسبة الانتخابات النيابية والبلدية، وبعد مؤتمر صحفي مع وزير العدل رئيس اللجنة العليا للانتخابات، ولجت الوزيرة الصحفية مقصف المركز الإعلامي المعد للمناسبة، ولم تغادره إلا بعد أن ردت، دون كلل، عن أسئلة كل الصحفيين الراغبين في استجوابها، الواحد تلو الآخر.
في سجل الوزيرة السابقة، التي عرفت بإطلالاتها على شاشات التلفزيون المحلية والأجنبية، بصمات مهنية وأوراش إصلاحية مشهود لها بها، من أبرزها إقرار تنظيم هيكلي محكم لأقسام هيئة شؤون الإعلام حولها إلى خلية نحل ذات صلاحيات دقيقة وفاعلة.. رسم خطة استراتيجية خماسية (2013-2018) تروم تأهيلا شاملا لقطاع الإعلام والاتصال.. تواصل مستمر مع الأوساط الصحافية المحلية، العربية والدولية، توضيحا لقضايا الوطن ودفاعا عنها..
        حصلت الكاتبة المعروفة بميولاتها القومية العروبية على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة بيروت عام 1976، وعملت في القطاع البنكي منذ 1979، وبدأت بالكتابة في صحيفة (أخبار الخليج) البحرينية منذ عام 2000. تناولت في كتاباتها مواضيع عديدة، منها قضايا الإعلام، وأمن الخليج العربي، والتطرف الديني والإرهاب، والطائفية، والقضايا العربية، حيث لا يقل موقفها مما يجري في العراق من تفتيت وتدمير، قوة عن آرائها الأخرى.
وفي كل ذلك، ظل مشوار الكاتبة العائدة إلى عشها الأول مسنودا بقناعة مهنية راسخة.. الإعلام سلاح هذا العصر من دون منازع، مصدر قوة الدول أو مفصل ضعفها.. الإعلام القادر سلاح وقائي، علاجي، دفاعي، هجومي، دبلوماسي، ثقافي.. الإعلام الواعي هو انعكاس لحضارات الأمم، ومرآة للشعوب.. الإعلام المحترف يصنع وعي الشعوب، ويعيد تصنيعه، وتأطيره ما بين كل الأجيال..

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

الشعر المغربي الصحراوي فيما بين القرن 19 و20 ـ القبيلة السباعية بحوز مراكش أنموذجا ـ


 تأليف: د. محمد رشيد السيدي
  
             عن دار إفريقيا الشرق، ومن منشورات النادي الأدبي بمراكش، صدر مؤخرًا للدكتور محمد رشيد السيدي كتابٌ، في ثلاثمائة صفحة تقريبا، تحت عنوان: الشعر المغربي الصحراوي فيما بين القرنين 19 و20، القبيلة السباعية بحوز مراكش أنموذجا( الطبعة الأولى، 2014). ويتألف الكتاب من تصدير ومقدمة ومدخل عام وثلاثة أبواب تتوزعها فصول نظرية وتطبيقية.
            يوضح المؤلِّـف في مقدمة الكتاب، أن اختيار هذا الموضوع يعود إلى دوافع أساسية ، من أهمها أنَّ الموضوع ما زال بكرًا، ولم يخضع لدراسةٍ من قبل، وأنَّ الملاحَـظ هو هذا الإهمال الذي أصاب تراثنا الأدبي البدوي عامة، والصحراوي منه بالأخص، وخاصة تراث القبائل الصحراوية التي انتشرت في مختلف مناطق المغرب، مع أنه التراث الذي يعكس جماليا روحَ المقاومة الوطنية وعمقَ الوحدة الوطنية في تعدديتها البناءة.
         ويوضح د. الحسن بواجلابن الذي كتب تصديرًا للكتاب، أن قيمة هذا الأخير تعود إلى طبيعة المهام التي أنجزها، ومنها بالأخص: جمع المادة الشعرية الموزعة بين الخزانات الوطنية والمدارس العلمية العتيقة والخزانات الشخصية، والتأريخ للتجربة الثقافية والأدبية للقبائل الصحراوية بحوز مراكش، وتحليل متن شعري لشعراء من مثل: محمد بن ابراهيم تكرور، المامون الأشقر، الإدريسي... مفترضًا أن هذه التجربة الشعرية موضوع الدرس تشكل بدايات المدرسة الإحيائية التي انطلقت بالمغرب منذ بداية القرن التاسع عشر.

د . حسن المؤدن

السبت، 29 نوفمبر 2014

قصة قصيرة : داء الغربة


بقلم محمد بوحمام

لا مجال للذكرى في زمن الحرب…
      مدينة أحلام ملتهبة بالحرائق، ذوي القنابل والمدافع يكاد يصم الآذان. وصفارات الإنذار تطلق في كل الأوقات. البلاغات الصادرة عن العدو تؤكد أن الطلعات الجوية الليلية أصابت أهدافها المرسومة. نجحوا في تدمير جزء كبير من الضاحية الشمالية للعاصمة، معقل الذخائر والأسلحة، حسب اعتقادهم وما جادت به جعبة العملاء المبثوتين في كل رقعة من بقاع العالم.
تمر ساعات معدودة، فتصدر بلاغات عن مدينة الحرائق مطمئنة، عبر آخر الأنباء الواردة من قلب المعارك، الطاحنة. تتضارب البلاغات والبيانات الملغومة ذات البعد التكتيكي، لكسب الجوانب المعنوية المتجلية في الحرب النفسية، الرامية إلى التأثير على الرأي العام والنيل من عزائم جنود المواجهة. ومع تضارب البلاغات والبلاغات المضادة، كدنا في هذا المكان القصي الآمن والبعيد عن مسرح الأحداث أن نفقد الثقة في المذياع والتلفاز وجميع وسائل الإعلام.
لا مجال للذكرى في زمن الحرب 
      ولاشيء يطمئن البال في هذه الأجواء الملبدة بغيوم الأحقاد والضغائن، أحقاد تتوارثها الأجيال اعتباطا، وتؤدي بذلك ضرائب أخطاء الماضي المتراكمة على أنقاض بعضها البعض، منذ عهد الفتوحات إلى زمن «الانغلاق» والانكماش على الذات. بالأمس كانوا هنا جميعا.. وكانت أقوالهم بحجم الكون مجلجلة حالمة…ولكن…يا رحمة الله من هذه اللاكن اللعينة ومن مرارة القلوب المثخنة بجراح الأسئلة الموجعة.
فأين رجال الأمس الذين تغنوا بهذا النخيل الشامخ، شموخ الزمن العربي الهارب من نفسه، أين أولئك الذين تذوقوا طعمه المنعش عصيرا مسكرا وحلالا طيبا.. وحاكوا من شعاعه أشعارا وأقاصيص ماتزال حروفها عالقة بصدإ المطابع التي شاخت جراء عدم الاستعمال.
في الخمارة النواسية ـ هناك ـ كانت الأحلام والكوابيس حاضرة كصورة مزركشة بالشروخ. فكر شارد ينخرط في الحاضر عبر نظرات زائغة تتجاوز الزمان والمكان، بحثا عن التوازن المفتقد بين خطي طول وعرض الخرائط. شتائم متبادلة تكسر الصمت الرهيب الجاثم على صدر الخمارة. لا أحد يجيب أحدا. ولا أحد يقصد أحدا بعينه. كل واحد كان يشتم الكائن الشبح الماثل أمامه، والعالق بذاكرته منذ أيام المواجهة.
قلت للعربي : لقد آلمتني كثيرا حالة ضحايا الحرب..هل سمعت كيف كانوا يخاطبون الأعداء.!؟
ــ غريب فعلا. إنها كانت فعلا حربا قذرة.. وأعتقد أن لغة الأسر كانت أكثر إيلاما.
ــ فلنغادر هذا المكان أعصابي بدأت تنهار
ــ هيا بنا..فحتى التزامنا المسائي يفرض قليلا من الراحة
ــ كدت أنسى ذلك…هل تعتقد أنهم سيوافقون؟
ــ الأمل ضعيف ولكن المحاولة ضرورية…
لا مجال للحب في زمن الحرب
في عقدها الرابع كانت أحلام تتحين فرصة رفع الستار، لتركن إلى حضن خليلها ذي اللحية البيضاء، في الصف الأخير من الزاوية المعتمة بمسرح مدينة الحرائق، حيث تنقطع الأنفاس، ويهرع اللسان إلى قعر اللهاث مصعوقا..وحدهما الشفتان كانتا تلعبان دور كاتم الصوت، وإلا لكانت المسرحية تحولت إلى معركة من نوع آخر، … ويستمر العرض..مشاهد دموية مستقاة من رحى الحرب الطاحنة. كل منهم كان يرى في إحدى الشخصيات قريبه المفقود. لوحات بطولية وأخرى جنائزية انغرست في الذاكرة والوجدان.
…………
« ذات يوم حملوا لنا نعشا مفحما. العلامات المتبقية من جسده تدل فقط على أنه من فصيلة الآدميين..قالوا لنا هذا ابنكم الشهيد « م » البقية في حياتكم…شهيد ابن شهيد حمل معه مفتاح الخلد وسيجعل له الله مكانا في الجنة مع الشهداء..
« قلنا آمين… بكينا بمرارة. انتحبت والدتي بحرقة إلى أن فقدت البصر، واعتنقت البكاء عقيدة بل طقسا يوميا أثناء كل الوجبات. وفي كل المناسبات الدينية والوطنية تزداد حسرة وأسى…كان كل شيء يذكرها بالشهيد.
وفي السنة الموالية التي أعقبت سنة المرارة. جاءنا صوته واضحا عبر الأثير، صوت من كنا نعتقد أنه في الجنة مع الشهداء، كما قيل لنا.. ما يزال أسيرا في الجحيم، في ضيافة العدو. ومع ذلك لم تقتنع الوالدة بهذا النبإ اليقين. وظلت على حالها تواصل زيارة قبر ابنها الذي ليس ابنها صبيحة كل جمعة وفي جميع المناسبات.»
لا مجال للحب في زمن السلم
«…أنا الشيخ العائد من الإعدام.. أنا الشيخ الهارب من نفسه إلى نفسه التي هي نفس من لاقوا نفس المصير. محوت صورتي عشرات المرات مكرها. ليس حبا في الحياة، ولكن لبلوغ المرتجى ونفض الغبار عن حقائق الأزمنة الغابرة المضمرة في تجاويف الزمن العربي الهارب من الموت إلى الموت. لا تحاولوا النبش أكثر في قعر هذه الذاكرة. لقد علمتني عذابات الأسر كيف أصلب نفسي تمثالا من كلس حفاظا على الأسرار…ووفاء لمناضلي وطني…».تصفيقات خفيفة تعقب هذا المونولوغ الذي كان له وقع خاص على أحدهم، فصاح بأعلى صوته :  «استخلصوا العبرة يا سادة إنه حديث الوطن…».
وقال الشيخ التائه في دروب بغداد بدون هوية: « غدا سأفعلها…يا أحلام. ارسمي قبلات الوداع على شفتي…فهذه هويتي المنسوخة قهرا أمانة في عنقك. اهديها قربانا للوطن…وحدك كنت الشاهدة أنني كنت ذلك الإنسان الذي…»
اختفى بعد نهاية العرض، ولم يعد يظهر له أثر. ربما استوطن إحدى مغارات الجبال المحاذية لتركيا، في انتظار الفرصة المواتية كي يلقي بنفسه مرة أخرى في الجانب الآخر من الحدود...
لا مجال للذكرى في زمن السلم
      في طريق العودة افترقنا…العربي ذات اليمين، وعرجت ذات اليسار، على أمل أن نلتقي في المساء. أخذ الزقاق النواسي الطويل يمطرني بسيل من الأسئلة. مثلت أمام ناظري تلك الكائنات الشبحية بعذابها الإنساني الذي تفنن الصداميون من عباقرة الوقت في استغلاله أبشع استغلال، لتعميق الهوة بين الإنسان وآدميته وقيمه التي غدت لا قيمة لها في أزمنة القمع العربي الموبوءة..
كادت أحلام أن تفقد توازنها أكثر من مرة. تتماسك كعادتها وتواصل رغم عدم اقتناعها بجدوى الأشياء، حتى في كتاباتها وفي مواقفها. المشروب الوردي كان يسبح يمنة ويسرة والكؤوس تعانق بعضها مع كل حركة. صراط من نوع آخر لا يكاد يوازيه في تلك اللحظة إلا حيرة صديقي العربي من مثل هذه المواقف التي تدعو فعلا للتقزز.
الحرارة مميتة ودخان سجائر أعضاء الوفد زاد الجو اختناقا. الهدف متفق عليه مسبقا، غير أن الصمت ظل سيد الموقف. التفت ناحية رئيس الوفد محمد البدري الذي أوكلنا له قيادة السفينة علها ترسو في المحيط:
الوقت يمضي بسرعة…
الليالي الصيفية تمر هكذا في مكان قالها الرئيس الذي أثبت أنه توصل بالرسالة وهو يلتفت ناحية عم أحلام وولي أمرها: العربي كاتب معروف تجمعنا به صداقة متينة. وقد ظل وفيا لالتزاماته بالدفاع عن القضايا العادلة وعن الحرية والكرامة الإنسانية...».
استرسل الرئيس في تعداد الكلمات الضخمة التي لا تليق إلا بشن الحملات الانتخابية. وخشية أن تتحول الخطوبة إلى خطبة منبرية، تدخل العربي بنفسه لحسم المسألة:
ــ لقد جئنا راغبين في طلب يد ابنتكم المصون أحلام.
ــ كان بودنا ذلك لولا «الهوسك»
ــ وقال أخوها الأكبر : أين يوجد بلدكم؟
ــ في المحيط الأطلسي
ــ كم رصيدك…؟
ــ أزيد من عشرين كتابا….
ــ كم يذر عليك الكتاب الواحد في الشهر؟
ــ لا أعيش من كتبي. أنا موظف مع الدولة، أدرس أبناء الشعب. ولا أفهم في تجارة الكتب
كانت أحلام تطل برأسها من حين لآخر. يبدو أنها لم ترتح لطبيعة الحوار وظلت تظهر وتختفي كغيلم زفزاف دون أن تنبس بكلمة. بعد لحظات قدموا لنا مشروبا آخر لم يكن ورديا هذه المرة. وحلويات لم يقبل عليها أحد. كان الجميع بحاجة إلى ما يبلل به ريقه. وليته يكون من العرق المحلي. وبعد ذلك ساد الصمت من جديد، مما أثار العربي وأفقده بعضا من هدوئه المعتاد: بعد كل هذا التحقيق نتمنى أن يكون تعارفنا مثمرا ونقرأ الفاتحة.».
ــ كان بودنا ذلك ولكن أنتم غربيون ونحن شرقيون. عاداتكم لا تشبه عاداتنا، وفوق ذلك نحن الأكراد…قبائل عشائر.. لا يمكن أن نعيش بعيدين عن بعضنا، لأننا معرضون للإصابة بداء الغربة، أي«الهومسك» وهو داء خطير لازم أحلام بباريس أثناء الدراسة، حيث كانت تتردد على اختصاصي في الأمراض النفسية مرتين في الأسبوع. ومع ذلك لم تتمكن من إتمام رسالتها هناك، ولا من تجاوز محنة الهوسك. هل لديكم اختصاصيون في المحيط لمعالجة داء الغربة!!؟
«إن الشمس تزورنا كل صباح مثلكم، ونودعها كل مساء مثلكم تماما…»
«……………………»
وكان حوار الصم هو ملاذنا، أمام جهل صاحبنا بالخرائط وتخلفه الكبير في التاريخ والجغرافيا والأدب..تحدثنا عن كل شيء وعن لا شيء…إلا عن امرأة في عقدها الرابع، تأكد لنا أن سفح الجبل سيكون محطتها الأخيرة هربا من تسلط النظام وجبروت اللانظام الذي مايزال يتحكم في كل شيء بعقلية القبيلة والعشيرة، علها تستريح هناك في حضن حبها الأول، ذلك الشيخ العازب، الهارب من مقصلة الإعدام.. ومن داء الغربة الذي هو الهومسك، والذي قد يكون أشد وقعا ومرارة على الإنسان في وطنه بين أهله وعشيرته…