الثلاثاء، 11 يونيو 2013

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يصادف يوم 12 يوينو.. بلترة الطفولة





بقلم ـ  بشرى اعميار
     
 إذا كان العمل يشكل الغاية والوسيلة لكل نشاط إنساني في كل مراحل تطور المجتمعات الإنسانية، فإنه اليوم يحمل معاني ترتبط بأبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، تجعل مدلوله في الوقت ذاته، يفيد بقيمته الإنتاجية والاجتماعية، وذلك بالارتباط بما يحققه من دخل مادي، يساعد على تأمين حياة كريمة في مجتمع تبقى فيه الكرامة وغيرها من القيم الإنسانية قاب قوسين بعد تنامي ظاهرة تشغيل الأطفال خادمات بيوت وعمال معامل ومصانع.... وبغض النظر عن الإشكالات التي ترتبط بالقطاعات الغير مهيكلة أو القطاعات الغير منظمة والعمل الغير قانوني بصفة عامة، الذي لا يخضع لأبسط الحقوق المتعارف عليها دوليا ووطنيا، فإن الواقع الصادم المرتبط بكنه القيم المجتمعية لمجتمع يتطلع إلى العدالة الاجتماعية والديمقراطية، سيظل يسائل المجتمع المدني والفاعلين الحقوقيين والاجتماعيين عن تواجد فئة الرق بين ظهرانينا.
    وفي ظل تفاقم آفة تشغيل الأطفال عبر العالم، رصد المنتظم الدولي مختلف الآليات والبرامج للقضاء على آفة عمالة الأطفال مند التسعينيات، إلا أن الإحصائيات الواردة تشير إلى وجود 218 مليون طفل قاصر ما زالوا في حالة عمل حسب المنظمة الدولية للشغل (لغاية سنة 2008)، تثبت أن المؤشر متحرك اجتماعيا وجغرافيا وقابل للارتفاع في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة في مختلف دول المعمور. وبالتالي، ونحن نخلد في 12 من يونيو اليوم العالمي لمناهضة عمل الأطفال، ما هي القراءة الممكن تقديمها عن هذه الظاهرة؟ وكيف لنا أن نقيِّم ما يقوم به المغرب لمناهضة هذه الظاهرة المقلقة؟
فمن الناحية الاقتصادية يصاحب استغلال العمالة الصغيرة عدم اعتراف واضح وصريح بأن القيمة المضافة الإنتاجية لعمالة الأطفال تحسن من القيمة الإنتاجية العامة للقطاعات المشغلة، كما أنها تبقى محصورة في نطاق الاستغلال الاقتصادي الخفي وغير المصرح به، خاصة في قطاعات إنتاجية بعينها (ضعيفة القيمة التقنية). ومادام الإنتاج الاقتصادي يتطور نحو التقنية العالية فإن اليد العاملة الصغيرة ترتبط بهذا الشق من الاقتصاد، والقصد هنا تلك التي لا تحتاج للتقنية العالية، إذ أن المراحل التحويلية الأولى في الكثير من القطاعات تحتاج للعضلات وللعرق، كقطاع النسيج، والصناعات الغذائية، والصناعات الرياضية (صناعة الألبسة والكرات واللوازم الرياضية...) وهي بالأخص المراحل التي يتم فيها استغلال مكثف للنساء وللأطفال، في إطار غير تعاقدي ولا حقوقي، بل وفي الكثير من الأحيان يتم ذلك بشكل عمل سري ومكثف.
ولا يستقيم هنا فهم المعطى الاقتصادي دون التذكير بما يسمى بالمشروع الكبير لترحيل الاستثمار، وهو انتقال في شكل هروب ضريبي وهروب حقوقي نحو باحات استثمارية تجذب الرساميل التي تسعى للعمل بدون قيود جبائية وإنسانية، خاصة من طرف شركات  ذات  صيت عالمي لجأت لدول افريقيا وآسيا، تهربا من الرقابة الصارمة لدول أوروبا، وهو ما يعتبر فرصة عمل للعمالة القاصرة أو غيرها في ظروف صعبة ومعقدة، وبدون مقابل يكافئ الجهد المبذول، الأمر الذي حدا بالمكتب الدولي للشغل إلى طرح ورش كبير "للعمل العالمي اللائق".
ومن الناحية الاجتماعية، يلاحظ أن هناك قبولا عاما لدى أغلب دول الجنوب بعمالة الأطفال، وهو قبول ترسخ وتكرس نظرا لتراكم تاريخ اقتصاد ضعيف يحتاج لكل العضلات والطاقات، بما فيها عضلات الصغار لمحاربة الجوع والفقر والحروب أحيانا أخرى، وهي ثقافة جمعية يطلق عليها ف. فانون (Frantz Fanon) "ثقافة معذبي الأرض". فالظروف الاقتصادية القاسية والمتراكمة كوَّنت بنيات وعلاقات شغلية غير متكافئة، تلعب فيها النساء والأطفال أدوارا محورية. وبالتالي، لا يصح التعامل مع عمالة الأطفال كما لو كانت ترفا أو إسفافا بإصرار، وترصدا بحقوق الطفل. فالواقع ليس كما يبدو عليه في بيانات حقوق الإنسان، فالطفل الأفريقي والأسيوي يعمل مع والديه في البيت والحقل والورشة...، لأنه جزء من منظومة إنتاجية عائلية ثم قبلية ثم وطنية لها ثوابت سوسيو ـ اقتصادية خاصة. وفي كثير من الأحيان ترفض الأسر والطفل نفسه البدائل المتاحة له عن الشغل وأولها التمدرس، وهي المعطيات الثقافية التي تكون دوما أمام محك نجاعة البرامج التحسيسية المرتكزة فقط على المدخل القانوني والحقوقي.
ومن الناحية النفسية، تبقى الدراسات النفسية محدودة حول آثار العمل على التنشئة السيكو-اجتماعية للطفل العامل، لكن الدراسات التي تم توحيدها في الخبرة والاستشارة الأممية من طرف المكتب الدولي للشغل حول هذا الجانب تؤكد الآثار النفسية السلبية على الطفل العامل من أهمها: الشيخوخة النفسية المبكرة للطفل العامل- قساوة في سلوكه الأسري عندما يكبر- آثار سلبية على سلوك الانضباط الاجتماعي وتعرضه لمخاطر الإدمان- فشله البعدي في ضمان توازن علاقاته الجنسية والأسرية والتربوية... وبالتالي وبالنظر لأهمية هذا الموضوع وغزارة ما كتب حوله، لا يسعني في هذا المقال أن أسرد كل الدراسات وكل الإشكالات المرتبطة بهذه المداخل الثلاث في المغرب تمكن من إعطاء تقييم حول تناول مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لهذه الظاهرة.
وعلى المستوى السياسي، لا يتوفر البرنامج الحكومي الحالي على التزامات واضحة مبنية على مؤشرات نتائج دقيقة وذلك راجع  لضعف المعرفة الوطنية المسحية بالظاهرة (يقال أننا انتقلنا من 600 ألف طفل عامل سنة 2000 إلى 315 ألف سنة 2010 حسب مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط) وغياب المتدخل الحكومي المباشر والمعني بها بحيث تتلاشى الالتزامات القطاعية أمام طابعها الأفقي (تداخل وضبابية الاختصاصات بين الجهات المعنية)، ولا نتوفر حاليا في المغرب على إطار إستراتيجي مندمج وواضح أو سياسة عمومية تتيح الإحاطة بعمالة الأطفال.
على مستوى البرامج، لا زال مسلسل انجازات خطة العمل الوطنية للطفولة 2005-2015 غير واضح المعالم، في غياب قاعدة بيانات تسمح بتقييم الحصيلة خلال السنتين الأخيرتين في مجال محاربة عمالة الأطفال ونحن نحتفل باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يصادف يوم 12 يوينو، ليغيب بذلك أفق إرساء تدخل حكومي واضح لهذه المعضلة. بل الأنكى من ذلك ، أن الجهات المعنية بتشغيل الأطفال  تشتغل دون ناظم وفي غياب إطار تنسيقي بارز حول هذه الظاهرة. وحتى أمام وجود ترسانة قانونية لحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي كمدونة الشغل وقانون إجبارية التعليم فإن تنفيذ هذه القوانين يعوزه التنفيذ والجرأة والنجاعة فلا يمكن مثلا لـ 450 مفتش شغل فقط بالمغرب أن يراقبوا عمالة أكثر من 300 ألف طفل عامل قار مع تضاعف عدد عمالة الأطفال  بشكل مهول في بعض المواسم.
على المستوى الاجتماعي، وبالنظر لحجم الظاهرة  يظل تدخل الجمعيات ضعيفا بسبب ضآلتها العددية وافتقادها للدعم الحكومي أوالقطب الاجتماعي للحكومة. فمسألة التمويل ليست هي الحلقة المفقودة هنا، بل هناك محور جوهري وأساسي، يتجلى في التكوين ورفع قدرات العاملين الاجتماعيين في المجال من طرف الدولة. والأكثر من هذا عدم وجود تشريع خاص بمؤسسة المساعدة الاجتماعية العمومية التي تسمح لها بالمرافقة والتتبع والتدخل المستعجل في مثل هذه الحالات، بالإضافة الى قلة برامج التوعية الخاصة بالأسر كجهة مشغلة للطفلات خادمات البيوت علما أن المشغلين في هاته الحالة ينتمون في غالبيهم للطبقات الوسطى، وتضطرهم ظروفهم المهنية (اشتغال الزوجين) للاستعانة بالقاصرات في أشغال البيت أو تربية الأطفال، وهو ما يُنتج في الغالب ظواهر عنف وعنف مضاد وصل صداها مؤخرا إلى القضاء و قبة البرلمان.
وعلى المستوى الاقتصادي، تتميز الطاقة الإنتاجية بالمغرب بكونها تعتمد على قطاع الفلاحة والقطاع غير المهيكل. وهما قطاعان إنتاجيان يمتصان بنهم شديد طاقات عضلات الأطفال في الوقت الذي تعجز فيه الدولة عن تقنين العمل بهما، وبالتالي لا مؤشرات إيجابية في الأفق لتقليص حدة ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب.
ختاما، ستظل ظاهرة بلترة البراءة وصمة عار على جبين المجتمع الدولي ككل، تتطلب تكثيف الجهود من طرف جميع المجتمعات وانخراطها، من أجل رفع تحدي يستجيب لأهداف.الألفية الثالثة، وتطبيق فوري للمقتضيات الدولية حول حقوق الطفل والقوانين المنظمة للشغل في إطار يضمن كرامة الطفل والتنمية الشاملة لمجتمع يثوق لإعمال مبادىء حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية قولا وفعلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق