الاثنين، 14 يناير 2013

مفهوم الطبقة المتوسطة تحت مجهر السوسيولوجيا

كتبه: سعيد رحيم

      شاع منذ السنوات الأخيرة في الأوساط السياسية والاقتصادية وبين مختلف وسائل الإعلام بالمغرب مفهوم الطبقة المتوسطة الذي أطلقه أحمد لحلمي مندوب التخطيط كتعريف للفئة الاجتماعية التي يتراوح دخلها الشهري ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف درهم.
وقد وجد هذا التعريف التحريفي للتحليل السوسيولوجي للطبقات الاجتماعية صدى واسعا في الكثير من الأوساط لدى المثقفين والسياسيين والإعلاميين وحتى لدى عموم الناس على الرغم من مضمونه الزائف بعمق.
والحقيقة أن ما شكل لدي مصدر استغراب ليس استمرار العامة في ترديد هذا المفهوم التحريفي ولكن الصمت المطبق الذي التزمه السوسيولوجيون والباحثون والاقتصاديون إزاءه، مما بدا معه الأمر وكأنه تواطؤ ممنهج لإعادة صياغة التركيبات الاجتماعية على قاعدة مفهاهيمية تحريفية بامتياز، ولأغراض ربما ستتضح أهدافها فيما بعد.
وإلى هذا الحد ومنذ أن أطلق مندوب التخطيط مفهومه الغرائبي والتحريفي بشأن تصنيفه للطبقة المتوسطة التي لا نعلم بصددها على أية مرجعية استند لإسقاط المفهوم على فئة اجتماعية لا علاقة لها به.
نعرف بدأ أن تصنيف الطبقات والفئات الاجتماعية داخل أي مجتمع من المجتمعات المعاصرة لم يظهر بشكله العلمي والموضوعي إلا مع التحليل المادي الجدلي للتاريخ والمجتمع والذي مثلثه النظرية الماركسية منذ أواسط القرن التاسع عشر.
ووفق هذا التحليل الكلاسيكي الذي رافقته أو انضافت إليه نظريات سوسيولوجية أخرى دون القدرة على تغيير جوهره وعلى خلاف النظريات المثالية الشائعة لعهود طويلة فإن الطبقات الاجتماعية تصنف أساعلى قاعدة موقعها من وسائل الإنتاج.
ولهذا فإن الطبقات الاجتماعية داخل كل مجتمع خاصة المجتمعات الرأسمالية أو المجتمعات التبعية التي تحدد أنماط انتاجها انطلاقا من علاقتها بالمركز الرأسمالي العالمي تصنف إلى أربع طبقات تتمثل أولا في الطبقة الرأسمالية الكبرى المسيطرة على وسائل الإنتاج العالمية من أبار للنفط والصناعات الثقيلة ورؤوس الأموال البنكية الدولية والمصانع وتتحكم أساسا في السياسة العالمية وهي الطبقة صاحبة العولمة.
وتصنف هذه الطبقة في المجتمعات التبعية أي غير الصناعية إلى طبقة بورجوازية وطنية أو طبقة بورجوازية وسائطية أو طبقة "الكومبرادور"، وهي الفئة الدنيا للطبقة البورجوازية العالمية ، حسب التعريف الكلاسيكي دائما للنظرية المار كسية، والتي لم يظهر لحد الآن ما يضحضها على المستوى المادي والسوسيولوجي.
وتلي هذه الطبقة البورجوازية الكبرى مباشرة، سواء في البلدان الصناعية الكبرى التي تمثل الرأسمالية العالمية أو البلدان التبعية وغير الصناعية الطبقة الوسطى المالكة بدورها لوسائل الإنتاج بشكل أقل من الطبقة الأولى وتشتغل لديها يد عاملة سواء في الضيعات الفلاحية أو المعامل أو في وحدات إنتاجية مختلفة ومتنوعة وكذلك طبقة الملاك العقاريين والذين توفرون على أملاك عقارية وتجارية وبحرية في جهات ومدن مختلفة من البلاد أو ربما حتى خارج أرض الوطن.
وهناك فئة دنيا لهذه الطبقة المتوسطة وتتمثل في المالكين لوسائل إنتاج مادي على شكل وحدة أو وحدتين صناعيتين صغيرتين سواء في مجال الصناعة العصرية أو التقليدية وأرباب المقاهي والحمامات الرفيعة والمتاجر بالتقسيط.
وخلف هذه الطبقة هناك طبقة الأجراء منها أساسا الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج الفكري وهي ما اصطلح عليه في السوسيولوجيا المعاصرة بالبورجوازية الصغرى وتتمثل الفئة العليا منها في الأساتذة الجامعيين  وفي كبار المهندسين والأطباء والإعلاميين والتي قد يتجاوز راتبها الشهري 30 ألف درهم.
أما الفئة الدنيا من هذه البورجوازية الصغرى والتي أراد السيد لحلمي أن يلبسها زيفا لبوسا الطبقة الوسطى فهي التي فعلا يتراوح راتبها الشهري ما بين خمسة آلاف وحتى عشرة آلاف درهم. وهي فئة أيضا لها القدرة على الإنتاج الفكري أو المادي وتتكون من أساتذة التعليم وبعض الأطباء والممرضين والتقنيين والصحافيين المهنيين ومن عمال مهرة.
وقد تنحدر وضعية هذه الفئة من البورجوازية الصغرى إلى درجة تلامس طبقة الكادحين والتي هي الطبقة الرابعة في الترتيب الطبقي للمجتمعات قبل فئات المسحوقين.
لذلك فإن الغاية من إسقاط مفهوم الطبقة الوسطى جورا، على هذه الفئة، لم تعرف بما فيه الكفاية. هل كان ذلك سهوا من مندوب اوهذا ما لا يمكن أن ينطبق على موظف سامي في إحدى المؤسسات الهامة على صعيد الدولة أم أن ذلك ناتج عن عدم درايته بمنظومة السوسولوجيا بصفة عامة، وهو الذي ساهم في تحرير التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سنة 1975 إلى جاني كل من الراحلين عمر بنجلون وأحد السطاتي.
وقد كان الاتحاد الاشتراكي آنذاك يستمد مرجعيته النظرية من الأدبيات الماركسية ولو في حدها الأدنى مما يسقط عن لحلمي عدم درايته بهذه المرجعية. أم أن للسيد مندوب التخطيط نظرية جديدة في التحليل السوسيولوجي، لم نتمكن بعد من الاطلاع عليها.
       وفي جميع الحالات فإن التحريف الذي جنح إليه لحليمي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تحريفا بريئا لا يسعى من ورائه سوى إلى تنظيم المجتمع وإنصاف هذه "الطبقة" لأن ما يبدو لي من حقائق في هذا الشأن يؤكد أن الإرادة المتخفية وراء هذا التصنيف ترمي اساسا إلى خلط الأوراق وتضخيم المفهوم بصورة تجعل منه شكلا من أشكال الاستيلاب الفكري وتوهيم الفئة الدنيا من البورجوازية الصغرى على أنها فعلا "طبقة متوسطة". في حين أن الطبقة المتوسطة، والتي هي كما أسلفت مالكة لوسائل الانتاج المادي تستفيد تراكم الأموال والمصالح ومن إعفاءات ضريبية ومداخيل لم يعد المجتمع يطلع عليها ولا تقوم بدورها في تقدم المجتمع الفكري أو الثقافي أو الصناعي.
كما يسعى هذه المفهوم الإسقاطي إلى طمس حقائق البنيات الطبقية للمجتمع المغربي بغرض ربما لا يفهمه سوى مندوب التخطيط.


                                                                                                                          ـ المحمدية : 11 يناير 2013
               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق