الخميس، 26 ديسمبر 2013

هكذا رأيت أنا "سينا"..



"سينا" صرخة مدوية لوضع خطير بدارنا ...

ـ منى عواد رفيع
        
         أنا لم اشمئز عندما رأيت "سينا" تغني لأول مرة ولا أخفيك هذا ... في اللحظة التي كان فيها الكل من حولي يضحك من أعماق قلبه لمنظر من مناظرها أو يشتمها ويتبرأ منها...أنا يا صديقي العزيز كنت ارى صورة أخرى كانت تظهر لي بوضوح وراء كل حركة من حركات هذه الفتاة المسكينة... ضحكتها.. كلماتها ... رقصها العشوائي ... ملابسها ... الغرفة وأثاثها التي تصور منها .. كل شيء فيها يعبر عن معاناة داخلية فجرتها...
      "سينا" نتاج مجتمع أصيبت بعض بناته بحمى الشهرة والمال وبناء البيوت والفلل.. في حين يجلس بعض رجاله يعدون المبالغ الداخلة من "عرق" هذه النساء ... يحتسون الشاي الاخضر والقهوة السوداء مع سجائرهم المشتعلة على كراسي المقاهي أو يتحدثون عن كرة القدم بفخر وافتخار على أرصفة الشوارع غير مبالين .
"سينا" عزيزي نتاج مجتمع ينقصه الارشاد و التوجيه ... مثيلاتها كثيرات مختفيات وراء جدران البيوت العريضة التي ترحب يوميا بسياحنا الأفاضل... أو ربما في أزقة من أزقات شوارعنا في قعر مدننا الرئيسية ... في مقاهينا... في كباريهاتنا ...تستغل ضعف بناتنا و حبهم للمال والشهرة ..
     إن الحياة إذا لم نوجه فيها ، كثيرا ما تشوهنا وتشوه الأشياء من حولنا . وإذا كانت كلمة ( Absorption ) تعني الامتصاص فان الانهماك في هذه العملية تجردنا من العقائدية وتجعل الانسان ذلك المعجب بنفسه يتعرض كثيرا لمواقف غريبة ولقدر محتوم في سهولة قد لا يتوقعها هو نفسه....
أنت وأنا ندري أن في هذه الحياة أسرارغريبة لا يفهمها الشباب وهم في فورة العمر فتبدو لهم وللفتيات بالذات سهلة وجميلة ومغلفة بالخيال والارتجال... ليصبح كل ما يقمن به في نظرنا عبث في عبث ... في حين ينغمسن هن في ذلك العالم باحثات عن شهرة وهمية وعن مال يرهق جسدهن ويدنسه وينسيهن كبرياء النفس وعفتها ويجعلهن أضحوكة القريب والبعيد من أبناء الوطن ومن خارجه. هذا الانهماك بهذا الشكل الساذج هو ما وقعت فيه "سينا"... ومثيلاتها كثيرات ... كثيرات يا صديقي العزيز.
      وأنا أرى شريطها الأول ثم الآن وأنا أسمع حوارها في "قفص الاتهام" تبادر لذهني سؤال كان الح علي منذ زمن : ألم يحن الوقت لوزارة الثقافة والسياحة أن تفكرا معا في خلق فرقة فلكلورية بشباب كلهم حيوية ليحلوا محل رجال ونساء أصبحت أجسامهم وسنهم لا يساعدهم كثيرا على الحركة ؟ فالمنطق اليوم يحتم علينا أن نخلق فرقة رقص جديدة بشباب وشابات فيهم " حيوية سينا" و"خفة جسدها" و "ثقتها بنفسها" لينقلوا رقصات التراث المغربي بشماله وجنوبه وشرقه وغربه على خشبات المسارح داخل المغرب وخارجه ؟؟ ويعرض ضمن العروض الكثيرة التي تقام في مهراجاتنا المتعددة لنحول مثل هذه الرغبة المجنونة إلى طاقة إيجابية ضمن مؤسسة إبداعية مدروسة؟؟؟؟ ألم يفكر أحدا ممن طرقت "هذه المجنونة" بابه بالأمس أن يساعدها قبل أن تطأ رجلها طائرة باريز التي أخذتها إلى عالم آخر يصعب إرجاعها اليوم منه ؟ ؟؟؟ لا زلت أرى في بعض كلماتها البراءة ... وفي البعض الآخر ضحية مجتمع بأكمله ... فأشفق عليها.
      هكذا رأيت أنا "سينا.".. بهذه الجرأة المجنونة فيها ... بتقاسيم وجهها وبجسمها وبابتسامتها العريضة تخيلتها لابسة لباسا مختلفا عما تلبسه... وواقفة فوق أرض صلبة وليس على فراش هش رخيص ...تخيلتها في فرقة موسيقية كفرقة كاركالا اللبنانية التي تزور العالم كله حاملة تراثا لبنانيا بشكل جميل وراقي ... كان من الممكن جدا لهذه " المجنونة" أن تحمل نبرات المغرب الذي يسكن بداخلها والذي ذكرته أكثر من مرة في كلامها واحتمت بأبناء حيها التي تحبهم لو وجدت من يتبناها ويرشدها ويعلمها فن الرقص على أصوله .
كانت "سينا" ومثيلاتها الكثيرات عاشقات الرقص والسفر والشهرة ستجد ضالتها فوق خشبات المسارح كمشاركات في فرقة مغربية موجهة ومدربة ومحترمة لا راقصات مستغلات في قاعات الكبريات المظلمة ... كانت "سينا" ومثيلاتها ستركب الطائرات المختلفة معززات مكرمات لا مضيفات موسمية في طائرات خاصة وما أدراك ما يحصل في بعض الطائرات الخاصة !!!
     كانت ولا زالت ضحكتها بالنسبة لي صرخة مدوية لوضع محزن آلمني كثيرا... وكانت الكلمات الجارحة التي تقال لها فتستقبلها مرة ببساطة ثم تبعدها عنها مرات أخرى تبعث في القلب العطف عليها لا الإشمئزاز منها... إن الحياة فعلا إذا لم نوجه فيها ، كثيرا ما تشوهنا وتشوه الأشياء من حولنا وكثيرا ما تتركنا ريشة في مهب الريح .


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق