الجمعة، 11 أبريل 2014

مجتمع بلا مُـثُـل مجتمع بلا روح



·         روما ـ محمد الصقلي


        مجتمع بلا مُـثُـل مجتمع بلا روح ، لا يمكن إلا أن ينتج التشرميل ومشتقاته ، وما قد يتفرع عنه ، والقادم مذهل أكثر لا قدر الله . مجتمع غيَّب الكتاب و تنكر للقراءة. أدار ظهره للمدرسة.  وأفرز أجيالا بلا أمهات. لأن الأمهات تركن البيت وشغلهن الانهماك في اكتساب الرزق الله يكون ف العون. أجيالا فاقدين الصلة بالأمومة لأنهم لم يعيشوها كما عاشتها أجيال ما قبل الثمانينات..أي آباؤهم وأمهاتهم..
        لست هنا بصدد إثارة جدل حول مكاسب المرأة وحقوقها المشروعة على قدم المساواة مع الرجل، كما لا يمكنني إلا أن  أدعم نضالها من أجل انتزاع وتكريس مزيد من الحقوق. لكن أطفالنا دون العاشرة ولنحاول أن نتعرف على إحصائيات لهذه الشريحة في مجتمعنا ... هؤلاء الأطفال موكولون للضياع ، ومن بعض ثمار هذا الضياع ظاهرة التشرميل التي داهمتنا على حين غرة بهذا الوجه المخيف.
ليس انعدام الشغل أو الكرسي في المدرسة والإعدادية والجامعة، ليس فقط البطالة، جذور الأزمة تمتد زمنا إلى ما قبل ذلك، لترتبط بفترة النشأة الأولى حيث الطفل مهما اختلفت الظروف المعيشية لأسرته بين فقر وثراء، هو بنفس القدر والمقدار لا غنى له عن وجود وتواجد الأم، حضورها هو بمثابة الخبز والهواء. فما بالك بجيل كامل يجد نفسه في الأشهر الأولى من ولادته بين أيدي غريبة. بدون حنان ولا عاطفة بل ولا رحمة، لأن الخادمة في البيت أو المكلفة بروض الأطفال لها مشاغلها ونوازعها ولم لا نزواتها الخاصة. مثلا .. الولد خارجة روحو بالغوات وهي مشغولة فالبورتابل. لا رقيب ولا حسيب. 
هناك فئة من الأمهات يحاولن تجاوز الموقف مؤقتا بأن تحاول التعويض عن غيابها بأن تغدق على ابنها في التاسعة أو العاشرة من المتقنيات الإلكترونية لإلهائه وصرفه عن التفكير فيها وافتقادها.
    إذن نحن أمام جيل لم يتلق أي تربية. فهو من ثم ضحية ليس فقط للإهمال بل لحرمان مبيت من حقوقه الأساسية ككائن بشري كإنسان وليس كدمية يمكن تحريكها عن بعد. كأن تكتفي الأم بمكالمة ابنها على الهاتف أين أنت الآن. أنا  قادمة أنا في الطريق.
أين أنت؟ هو ليس في البيت حتما ولا في نادي رياضي أو تربوي، إنه بين شرذمة من أقرانه في الحي ممن تجمعه وإياهم نفس الوضعية. أولاد خارج البيت. لا شيء مضمون. الشارع غول مخيف. وقد تعتبر جريمة بوجهة نظر ما ترك هؤلاء الأطفال مابين الثامنة والخامسة عشرة في عرض الشارع. حيث تنتقل بينهم بفعل تبادل التأثر والتأثير،عدوى الانحرافات وتلقينهم مبادئ التمرد والعصيان بما يفضي إلى تفجير نوازع العنف لدى المراهق. ويجعله بالتالي مهيئا للجنوح والخروج عن الخط الاعتيادي للسلوك القويم والسليم.
فضلا عن انفطام هذا الجيل عن حقوقه في الأمومة. فهو بالتالي نهب لتيارات عاصفة جارفة، عقليات يكيفها الإعلام النافذ المتنفذ. والذي يفعل بالمجتمع في غياب الحصانة والتحصينات التربوية والنفسية والعاطفية وأيضا بفعل وطأة الشعور بالإحباط، ما يفعل العدو بعدوه.
       إعلامنا يغذي الجهل. من حيث هو إعلام معاد للمعرفة. تتحكم به عقلية الربحية الجشعة والشرسة. لدرجة أن هذا الإعلام وعبر ميكانيزمات الإشهار الجهنمية، لا يرى المجتمع إلا سوقا  ضخمة والمواطن ليس سوى زبون يتعين استنزاف عرقه وجهده وإمكانياته حتى الرمق الأخيرأو المديونية.. 
هنا لا محل في هذا الإعلام لأي رسالة حضارية. أو لقيم مثلى . أو حتى لاعتبارات تحفظ للمواطن كرامته. الخطاب الشعبوي هو السائد المتسيد. نسفوا عاميتنا العالمة واستبدلوها بزحف هاورت وماروت من الكلام الهجين المستنبت في أوكار النبذ والإقصاء والحرمان والنقمة. من منا لا يذكر أن تلفزتنا منذ أزيد من عشر سنوات لم نعد نسمع في بيوتنا إلا نايضة نايضه. بحال اللي ك ينفخ ف النار. إيوا هيا ناضت وطشاشها بدا ك يطاير ف السما.
       جيل تعرض للخصي النفسي والعاطفي في سنوات الطفولة الأولى بحرمانه من الأمومة. وسرقنا براءته في المراهقة وأول الشباب بإعلام لا يحترم حتى الخطوط الحمراء في الوجدان العام للأمة. إعلام ينفق الملايير من المال على غناء ماجن يشيع الانحلال والتفسخ .. آ اللواه .. السي لواه.. طالعه ف العقبه يعطيك داهيه فيه. مشينا لدوك النوايل ودرنا دوك الفعايل. هاد الشي اللي بغاو راه وصلو ليه. جيل بلا مثل وبلا مواطنة. والقادم مذهل أكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق