السبت، 4 يناير 2014

هكذا تكلمت زهور العلوي المدغري


      بقلم حكيمة ناجي    
        هذه الشهادة في بعض ما تكلمت فيه فقيدة الحركة النسائية زهور العلوي ليست من وحي الذاكرة الخائنة بطبيعتها بل والمتأثرة بما يخالجها اليوم. بل آثرت أن أستخرج  بأمانة بعضا مما قالته من تسجيلات سمعية بصرية في حوزة مكتبة جمعية السيدة الحرة للمواطنة وتكافؤ الفرص بجهة طنجة- تطوان في مناسبات لنقاشات نظمتها واستضافتها فيها بين سنة 2005 و 2009؛ مع تضمينها بعض الهوامش التوضيحية لسياق الكلام لتسهيل الفهم والحفاظ على غاية المنطوق الذي تحول إلى مكتوب. ونظرا لأن فقيدة الحركة النسائية المغربية نقشت أفكارها في أدمغتنا أكثر مما خطتها على الأوراق، بتأطير اللقاءات، وتحضير الأوراق، وما إلى ذلك، فإنني أتمنى  أن يقوم كل من بحوزته تسجيلات سمعية أو بصرية أو مخطوطات لها بنقلها أو بإعادة كتابتها، حتى نصون ذاكرة هذه السيدة التي لم تكن عادتها خلق الهرج وراءها، للأجيال الحاضرة واللاحقة. فشكرا لجمعية السيدة الحرة التي مكنتني من هذا. لا ينقص هاهنا إلا شهادتها حول تجربتها ككاتبة بجريدة 8 مارس، وساعمل على نقلها في القريب العاجل.
      كما تكلمت زهور العلوي عن فهمها للمرجعية والتي لا تستسيغ فيها هذا الفصل، هذا الطلاق المفتعل بين المرجعية المعتمدة على الدين وتلك المعتمدة على القيم الكونية، لأن الأولى والثانية لا يفصل بينهما جدار إسمنتي، بل يوجدان في حالة ارتشاح مشترك يمتحان من بعضهما البعض من حيث لا يدريان. وهذا المسعى يستمد جذوره من المبدأ الراسخ لدى زهور العلوي، الا وهو بحثها الدائم عن المشترك مادامت الغاية الأولى والأخيرة هي الكرامة والمساواة  بين البشر وبين النساء والرجال. وبحثها الدائم عن المشترك هو سر محبتها للآخر المشهود لها من لدن الجميع ممن اتفقت معهم او اختلفت..
هي المؤمنة بالمساواة بدون تحفظ والمؤمنة بالحرية المسؤولة المستمدة من مفهوم الحرية في الترات الأنواري، لأنها عماد العقلانية والحداثة والديمقراطية، وهي عماد النسائية. والحرية تمنح الإنسان، والمراة باعتبارها إنسانا الأرضية لتطوير مساحة تمتعها بالمساواة. لكنها عند زهور حرية مسؤولة تقيد بالواجبات والمسؤوليات بقدر ما تمنح من الحقوق. زهور العلوي أنسية بامتياز، حقوقية في عمقها، مؤمنة بالتعدد والاختلاف والحق الكامل في ذلك؛ متشبعة بقيم المساواة والحرية والتسامح على اساس ان المرأة إنسان كامل اأهلية وكامل الذات والعقل لا تختلف في ذلك عن الجنس الاخر.
  1.    في هيمنة الفكر الذكوري
       هيمنة الفكر الذكوري سواء في موقع المرأة في مجال الإعلام أو كذلك حضور المرأة كموضوع في الإعلام السمعي البصري. ولننتبه، عندما نقول الفكر الذكوري، فهنا الفكر الذكوري لا قومية ولا دين له، فهو تماما ليس بمرتبط لا بدين ولا بجغرافيا. والدليل على ذلك أنه يكتسح العالم ومنذ قرون، وهذا ما أكدته العديد من الأبحاث التي كتبت عن تاريخ استرقاق النساء وتاريخ عبوديتهن وتاريخ أوضاعهن الهامشية. نحن بالفعل عندما نطمح إلى تغيير كل هذا، فإننا نطمح فعلا إلى خلخلة هذا الفكر الذكوري من أجل الرجوع بهذه العلاقة إلى أصولها الإنسانية لأنها يمكن أن تكون من أجمل العلاقات، علاقة امرأة ورجل عندما تحتكم إلى المساواة وإلى الاحترام وإلى الحفاظ على كرامة الطرفين بناء على كونهما معا يدخلان كما أقول دائما في الإنسان الواحد مع اختلافهما كجنسين، الذكور والإناث.
  2.    في مسألة المناصفة والنوع الاجتماعي
       المناصفة هي نوع من الكوطا، "قد النسا، قد الرجال"[1]. نحن نصف البشرية، ويجب أن نحتل مكاننا الطبيعي. وإذا ما انطلقنا من النوع الاجتماعي، فالمناصفة لا تتعلق بالنساء مقابل رجال، المناصفة لا تتعلق بالجنس فقط. سنكون بعيدين في مسلكنا عن مقاربة النوع الاجتماعي. إن النوع الاجتماعي جاء ليصحح هذه التفرقة على أساس انوثة/ذكورة. وللتوضيح، كم سنجد من النساء في مواقع المسؤولية، واسمحن واسمحوا لي بالقول، إنهن لسن نساء بالمفهوم النسائي، "ما شي انسا"، بمعنى غير متشبعات بالفكر النسائي، ويمكننا وجود رجال نساء. يعجبني كتاب L’un est l’autre [2]، "الأنا هو الآخر"، بقدر ما تتبنى نفسك، بقدر ما تتبنى نفسك في وحدة الإنسان. هنا تنتفي مسألة جنس ذكورة/أنوثة. والنوع الاجتماعي  جاء بالضبط كمفهوم  ليصحح هذه القضية ليقول إن الطبيعة تلدنا كذكور وإناث، نعم، ولكن المجتمع والتاريخ يصنعنا كرجال ونساء باستريوتيبات[3] واكليشيهات[4] وبحمولة ثقافية اجتماعية.
 3. في العنف الرمزي
       "غالبا ما نتكلم عن العنف الجسدي، لكن اسمحن لي أن أقول إن العنف الرمزي هو أيضا خطير، خطير جدا لأنه يجعل الإنسان أو المرأة بالذات تلك الحية الميتة، وربما يكون موتا بطيئا عندما نفتقد الهوية ونفتقد الكرامة، ويتلاعب بجسدها وتحاصر وتطوق حتى لا تعود لها ذاتيتها الخاصة..."
"كل صورة هي تأويل، فأي تأويل نريد لواقع المرأة في الإعلام؟ .. فإذا كنا نريد تغيير هذا الواقع، فينبغي أن تكون لنا حاسة التقاط الصور الإيجابية وهي بالتأكيد موجودة، وإبرازها والتأكيد عليها فعلا لكي نخلق دينامية لهذا التغيير. وفي البدء تبدأ الدينامية بالكلمات.." "الصورة كتمثل، يحضرني المثال الصيني عن أن الصورة تقول ألف كلمة؛ الصورة "كتهدر اكثر من الهدرة"[5]."
  4. في الحرية ودلالة السيدة الحرة
       دعنني  ودعونني  أقول لكم إنه ربما هذا الاعتبار الذي حظيت به[6] ربما أدخل في معاييره كما قلت من باب البوح اشتعال رأسي شيبا، اظن أنه لم تكن هناك فقط المعايير الموضوعية[7]. هناك أيضا نوع من التسابق في الزمن، فربما أحبت الأخوات[8] أن تفرحن زهور العلوي في هذا المساء من عمرها على أي حال بإطلاقهن إسمي على دورة هذه الأشغال. فلهن كامل الشكر. 
      أحببت أن أقول لكم ولكن أن استيحاء الجمعية من اسم هذه السيدة يكبل أعناقنا وأعناقكم مرة أخرى بمهام كثيرة نظرا لما يوحي به هذا الإسم وما نستلهمه من خلال هذا الاسم من مكانة متميزة وصلت إلى أعلى كدارج السلطة في هذه المدينة بالذات[9]. ذكرتني الأخت حكيمة[10] أن المؤرخ بنعزوز[11] يفضل إطلاق اسم الست الحرة وليس السيدة الحرة كما تدل على ذلك الوثائق التاريخية، ومهما يكن من هذا الإسم، فنحن نطمح إلى ما هو أكثر، إلى دلالة هذا الإسم كحضور نسائي كما قلت في أعلى مناصب المشاركة النسائية  والمجال المحضور نهائيا عن المرأة والذي هو مجال السياسة, يعجبني في الإسم أيضا كلمة حرية وأن نستحضرها لا كما تشاء بعض التحليلات التي تربط الحرية بنوع من التصرف غير المقنن وغير المشروط . الحرية في نظرنا وكما استوعبناها وكما نظرنا  لها هي مسؤولية أساسا، فهي حقوق وواجبات، هي مشاركة وهي مسؤولية تضع على أعناقنا من المهمات أكثر مما تعطينا للأسف من الحقوق. وهذا هو أساس نضالنا وقاعدته، أي أن نكسب  حقوق في مقابل أدائنا لواجبات. هذا هو مفهومنا للحرية وليس عملا عشوائيا لا تضبطه قوانين ولا مسؤوليات ولا مواقف أخلاقية ولا أي شيء.
5.في الكرامة، هدف الأهداف
الكرامة هي هدف الأهداف، وليس  (المطالبة بإلغاء) إلغاء كل هذا (التمييز) إلا مرحلة للوصول إلى الكرامة. حتى المساواة للوصول إلى الكرامة، إنها (أي المساواة) آلية..
 6. في مسألة المرجعية
      يجب أن ننتبه حتى لا يصبح موضوعنا موضوع مزايدات بين تيارات تصنف نفسها حداثية وديمقراطية، وتيارات تصنف نفسها على المرجعية الإسلامية. ما يهمني هو أيا كانت المرجعية، تمتح من الترات فقط، او تمتح من القيم الإنسانية فقط. القاسم المشترك كما تقول العديد من الأبحاث الأنتربلوجية أن نضاهد الفكر الذكوري  الذي ليس رجلا وليس امرأة، فهو فكر، فلننتبه إلى هذا. فالفكر الذكوري نجده مرتبطا بالدول مجتمعة وبالقوميات مجتمعة. حتى نتجنب هذا.. فإن الواحد منهما يمتح من الآخر لأنها  إنتاج ثروة بشرية وحضرية وكمية.
7. في المجتمع المدني والمشترك بين نسائيات Féminismes العالم
       سيظل صوتنا مستقلا كمجتمع مدني ، وتظل الجهات الرسمية رسمية، ونظل نحن نحن. وهذا لا يلغي التعاون الدائم كذلك. قلت إني سأقول كلمة عن هذا التعاون الذي لعبت فيه الجغرافيا دورا، فنحن جيران ولا تفصلنا سوى كلومترات قليلة، ولكن ليست الجغرافيا وحدها، هناك القضايا التي تجمع هذه الجمعيات. أتذكر هذه المناضلة من عيار ثقيل ونحن في ندوة فكرية، Françoise Héritier افرانسواز هيريتيي، هذه الأنتربلوجية التي تقول إذا كانت هناك من عالمية  فعالمية الهيمنة الذكورية ضد النساء، وبعبارة أخرى التمييز ضد النساء، وبعبارة ثالثة العنف الممارس ضد النساء والذي لا يمكن أن نقرأه إلا في إطار التمييز طبعا.
كذلك في علاقتنا شمال جنوب، نعي التناقضات ونعي الخصوصيات، ولكن نبحث عن المشترك، ونبني على المشترك طالما أن هذا المشترك هي ثقافة المساواة، هي النسائية، وهي لا يمكن أن تندرج إلا في ثقافة رفع كل أشكال التمييز، وهي لا يمكن أن تندرج إلا في إطار الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ المرأة إنسان قبل أن تكون امراة. في إطار هذا كله، أعتبر أن هذا اللقاء الأسباني المغربي سيكون مهما.
  8. في الكتابة
      أود أن أحذر من تداول الكلام. أن نتساءل عن من يكتب، ولمن يكتب. أبذي تحفظي أكثر في تعاطينا مع مفهوم النوع الاجتماعي، فإذا ما أردنا أن نكون مخلصين له.. قد  تكون امراة في موقع الكتابة  ولكنها لا تتحدث كامرأة بمفهوم الإنصاف والمساواة ورفع كل أشكال التمييز، والعكس صحيح. 
 9. في ما بين الاتفاقيات والواقع من فروق
       اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ترجع إلى 1979، تاريخ إقرارها من الأمم المتحدة، لكن إعلان مناهضة العنف لم يكن إلا في 1993. لكن لا بأس، وكما يقول الفرنسيون vaut mieux tard que jamais. وبطبيعة الحال، البداية تبدأ بالإعلان لتنتهي بالاتفاقيات والقرارات. ولكن أحب أن أقول أيضا، أن ما يهمنا ليست الاتفاقيات التي ستظل اتفاقيات وتظل كلاما ، ولكن نهتم بما ينجز على الأرض.
10 . في مسألة الخبرة الإعلامية
      " يجب أن نولي كجمعيات نسائية فاعلة في المجتمع أهمية قصوى لمسألة الخبرة أولا والخبرة التكنولوجية الإعلامية ومن أجل التواصل. لقد أتينا للصحافة[13] دون أن نكون مزودات بتكنولوجيا الإعلام والتواصل. إن أول حاجة مطروحة علينا من أجل المناصفة امتلاك التقنية. عندما نصبح نتنافس حول الخبرة  ونمتلك الخبرة ونحن بعيدات عن مستوى الخبرة. إنها مدخل أساسي للمناصفة."
"الخبرة في أي مجال، الآن نتحدث عن الخبرة في الإعلام والتواصل. الكل يعلم أن المدخل الوحيد والطبيعي لتسويق المنتوج مهما كانت قيمته يحتاج للتسويق وللخبرة، واسمحو لي على هذا التشبيه، وطريقته في التسويق هي الخبرة وامتلاك التكنولوجيا."
11. في الحق في الراحة
      "أنا من الذين يؤمنون بالحق في الراحة من أجل عمل أحسن. حدثت قبل قليل الأخوات عن ابن الجوزي[14] في كتاب عنونه ب "صيد الخاطر" في نص له جميل يسميه "طلب الراحة للجد جد[15]". "الحضور الجسدي للنساء في الفضاء العام حضور فاعل في مواقع السلطة، ولكن نسائل هذا الحضور، ماذا يمنحنا من رضى، ومن سكينة، ومن إمكانيات العمل، ومن احترام  الآخر، أي من كرامة في هذا الوضع،  من سعادة ومن ارتياح لهذا الوضع."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق