الأربعاء، 23 يوليو 2014

أمام تغييبه و إقصائه : موقف اتحاد كتاب المغرب من تركيبة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي


        بحكم المسؤوليات والأدوار التي ما فتئ يقوم بها اتحاد كتاب المغرب في تحريك الحياة الثقافية ببلادنا، وفي الدفاع عن صورة المغرب الثقافي، داخل الوطن وخارجه، وبفعل انخراط جل أعضاء الاتحاد في قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي، بمختلف مستوياته وأسلاكه ومؤسساته ومعاهده، ومن منطق وفائه للمبادئ التي تأسس عليها، والتزامه بالقيم التي آمن بها، وما فتئ يدافع على ترسيخها في مجتمعنا، بما في ذلك الدفاع عن الهوية الوطنية، واحترام الحقوق الإنسانية والثقافية التي تشكل رافعة أساسية للميثاق الوطني للتربية والتكوين، سواء تعلق الأمر بمجالات التجديد أو بدعامات التغيير، فإن الاتحاد قد انخرط، منذ تأسيسه، في أوراش الإصلاح، والتعبير عن مواقفه وتصوراته تجاه ما يعتمل في مجتمعنا، وعلى مختلف الأصعدة، بما في ذلك انخراطه في مؤسسة المجلس الأعلى للتعليم، في صيغته الأولى، وبكل بتفان وغيرة وطنية على المدرسة والثقافة المغربيتين، باعتبارهما تشكلان علامة واحدة للمغرب المعاصر، بمثل دفاعه، أيضا، عن مكانة الثقافة في تجديد التربية، وتأهيل التكوين، وتطوير البحث العلمي، وإسهامه في انفتاح المدرسة المغربية على محيطها الثقافي والإبداعي، وفي الرفع من جودتها، سواء على مستوى البرامج والمناهج وإنتاج الكتب المدرسية، وترسيخ أسس البحث العلمي الرصين، أو على مستوى تحسين تدريس اللغات وتنويعها واستعمالها، ضمن أفق حضاري يؤمن بتفاعل الثقافات.
وحينما أوكل إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الاضطلاع بصلاحيات جديدة، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة للحكامة الجيدة وللتنمية البشرية والديمقراطية التشاركية، وللتفكير الاستراتيجي، كان الاتحاد من أوائل مكونات المجتمع المدني الذي تقدم إلى هذا المجلس، بتصوره حول قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي، بغاية مساعدة هذا المجلس في تكوين رؤية شمولية ومندمجة حول منظومة التربية الوطنية، وكان مسعى الاتحاد واضحا يرتبط بتحمل مسؤوليته في الانخراط الكامل في برنامج الإصلاح، في ضوء المهام الجديدة لهذا المجلس، وما ينتظره من انفتاح على مختلف الأطراف المتدخلة، ومن تكامل في الرؤى والاجتهادات.
         وفي الوقت الذي يثمن فيه اتحاد كتاب المغرب هذه الخطوة التي أقدم عليها المجلس، بإعلانه عن تشكيلته، التي نتمنى لها كامل التوفيق في مهامها الوطنية النبيلة، كان الاتحاد ينتظر من الجهات المعنية أن يتم إشراكه في صلب عمليات الاقتراح والاستشارة والإصلاح، باعتباره أقدم منظمة ثقافية مدنية ببلادنا، مشهود لها بحجم أعضائها، من المفكرين والمبدعين والباحثين، ممن لهم باع كبير في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي، والذين كان من المفروض أن تكون لهم مواقع أساسية ضمن تركيبة هذا المجلس، ولو على مستوى إذكاء التفكير الاستراتيجي في السياسات العمومية، والقضايا التي تهم المنظومة الوطنية للتربية والتكوين ببلادنا، بما في ذلك المساهمة بإبداء الرأي، أو تقديم الخبرة، أو إنجاز التقييمات، في طابعها الشمولي أو القطاعي أو الموضوعاتي، وذلك تفعيلا لمبدإ الديموقراطية التشاركية التي كرسها الدستور، وتحقيقا للفعالية والتوازن في التشكيلة العامة للمجلس.
        لكن ما حدث، هو التغييب المطلق لهذه المنظمة الثقافية العريقة، سواء على مستوى الاستشارة أو التمثيلية، حيث إن اتحاد كتاب المغرب الذي لم يكن يتوقع أن يطاله هذا الإقصاء، كما طال هيئات أخرى، سياسية وثقافية ومدنية، ليتأسف لهذا الإقصاء الممنهج، خاصة وأن أعضاءه هم اليوم من خيرة صناع الفكر والرأي والإبداع والجمال ببلادنا، ويدعو الجهات المعنية إلى تدارك هذا العطب، بما في ذلك إعادة النظر في القانون المتعلق بتنظيم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وتجاوز مختلف الثغرات التي ستفقد هذا المجلس، صوتا وطنيا ظل مدافعا عن ثقافتنا المغربية، كما شكل دائما، سواء في مؤتمراته واجتماعاته، أو عبر نداءاته ومواقفه المعلنة، فضاء لتبادل الرأي المتعدد والنقاش الديموقراطي حول أسئلة التربية والتكوين ببلادنا.
        وبهذه المناسبة، فإن اتحاد كتاب المغرب إذ يتساءل عن الجهة المسؤولة عن هذا السلوك الإقصائي، الذي يضعنا، مرة أخرى، أمام حالة من التشكيك في كل شعارات الإصلاح والتغيير، وأمام رهانات مغلوطة من قبل بائعي الأحلام وتجار الآمال المؤودة، ينبه، في الوقت نفسه، الجهات المعنية إلى أن إقصاء البعد الثقافي من التفكير الاستراتيجي للمجلس، ومن مشروع إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، رغم تنصيص القانون المنظم على ذلك، سيتحمل المجلس مسؤوليته لوحده، بل وستطال تبعاته أجيال كثيرة من أطفالنا وشبابنا. وسيظل الاتحاد متمسكا بحقه في الانخراط المؤسساتي في هذا المشروع، أو في غيره، وفي الدفاع عن حق مواطني هذا البلد في ثقافة مغربية مؤنسنة ومنصفة ومؤمنة بالتعدد والتنوع الثقافي، وعن حقهم، أيضا، في مدرسة مغربية مفعمة بالحياة، وفي تعليم يتجاوز الأخطاء والثغرات والنتائج الكارثية.

المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق