سيحيي الاتحاد الدولي للصحفيين اليوم العالمي لحرية الصحافة الأسبوع المقبل من خلال مشاركته في تنظيم مؤتمر لمناقشة افضل السبل لحماية حرية الاعلام وحقوق الصحفيين في المنطقة العربية.
ويتضمن برنامج المؤتمر، من بين قضايا متعددة، نقاش وثيقتين أساسيتين أولاهما خاصة باعلان مباديء حرية الاعلام في العالم العربي والثانية مقترح تأسيس آلية اقليمية لدعم حرية الاعلام تشتمل على مقرر خاص لحرية الاعلام يكون من مهامه مراقبة جميع الانتهاكات لحرية الاعلام وحقوق الصحفيين واعداد تقارير عنها وتحيل هذه الجهود إلى مبادرات سابقة لتأسيس آليات اقليمية مشابهة في اطار الاتحاد الإفريقي (مفوضية حقوق الإنسان والشعوب)، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، ومنظمة الدول الأمريكية، ومقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية التعبير. ويواجه المشاركون في المؤتمر تحدي الإجابة على أسئلة مثل اتخاذ قرار فيما اذا كان ممكنا تأسيس آلية مشابهة في المنطقة العربية.
وليس هناك مجال للشك بأن المنطقة العربية تحتاج لمثل هذه الآلية. حيث تواجه الحريات الاعلامية وحقوق الصحفيين فيها مخاطر جمة، ومن المرجح أنها ستواجه مخاطر تعرضها لمزيد من الانتكاسات. فمع الأزمة الأمنية التي تواجهها المنطقة، تسعى حكومات سلطوية إلى فرض مزيد من القيود على حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما في ذلك حرية التعبير والاعلام.
ويطالب الصحفيون عبر كامل المنطقة بإيجاد مؤسسة اقليمية قوية قادرة على مراقبة انتهاكات حقوقهم وتحاسب الحكومات على انتهاكها لحرياتهم. ورغم أنه من المسلم به بأن هذه ليست هي الطريقة الوحيدة للدفاع عن حرية الصحافة، ولكن أثبت هذا النموذج جدواه في مناطق أخرى من العالم، وبأنه حليف مهم للمدافعين عن الحريات الاعلامية.
ومع ذلك، كيف يمكن تأسيس هذه الآلية؟ وكيف يمكن أن يضع المهتمون بشأن الحريات الاعلامية ثقتهم في آلية يعتمد تأسيسها على الحكومات ذاتها التي يسعون للحصول على حماية من اعتداءاتها؟
ويمكن ان يثار نفس السؤال حول كل المنظمات الإقليمية، والتي بحكم طبيعتها تتألف من حكومات تتحمل مسئولية حماية حقوق مواطنيها من جهة، وتضم حكومات فاشلة في توفير هذه الحماية من جهة أخرى. ولذلك، ليس مفاجئا أن اكثر مناطق العالم التي هي بأمس الحاجة لمثل هذا الدعم المؤسسي، هي ذاتها التي تضم حكومات تحمل أسوأ السجلات والممارسات التي تنتهك الحريات.
وتعتبر جامعة الدول العربية هي المنظمة الإقليمية الموازية للاتحاد الإفريقي ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، ولكن سجلها كمنظمة إقليمية يتضمن تجييرها كأداة لقمع المبادرات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة. وعلى سبيل المثال، ضعف الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي هو أحد منتجات جامعة الدول العربية، من ناحية حمايته لحقوق الإنسان، إلى درجة ان عدد من حكومات المنطقة رفضت المصادقة عليه لأنه يتبنى رؤية محدودة لحقوق الإنسان ويمكن ان يتم استخدامه كأداة
قمعية على المستوى الوطني.
قمعية على المستوى الوطني.
وفي حال ان جامعة الدول العربية ليست هي الجهة الملائمة لتأسيس آلية اقليمية لحماية حرية الاعلام، ما هي البنى والمنظمات الإقليمية
البديلة التي يمكن فتح حوار معها للقيام بهذا الدور؟ وما هي معايير الحد الأدنى لتأسيس الآلية؟
هل يمكن ان يكون الاتحاد البرلماني العربي، أو الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان هي البيت الملائم للآلية، أو هل يمكن للمقترحات
الأخرى التي نوقشت أثناء عملية المشاورات مثل مقترح آلية يتم تأسيسها من قبل عدد محدود من الدول، أو آلية تستند إلى منظمات المجتمع المدني مستقلة تماما عن الحكومات أن تكون هي البديل؟
هذه هي بعض الأسئلة الموضوعة أمام المشاركين في لقاء الأسبوع المقبل، في إطار عملية يمكن ان توصف بأنها أوسع مشاورات إقليمية حول حرية الإعلام في تاريخ المنطقة.
وفي صميم هذه العملية، وقبل ان يتم التعامل مع التحديات التقنية المرتبطة بتأسيس الآلية، هناك مسألة التوافق على "الإعلان العربي لمباديء حرية الاعلام" والذي يمكن اعتباره الأساس الذي ستبنى عليه الآلية. وليس هناك شك بأن هذا الإعلان سيكون قويا وتقدميا مثله مثل أي إعلان آخر مشابه في أنحاء العالم. حيث من المفروض على أي جهة يمكن ان تتقدم لاحتضان الآلية أن تتبنى هذا "الإعلان" الذي ستبنى عليه الآلية والذي سيكون مرجعية "المقرر" لممارسة مهامه.
وفي حال أقدمت جامعة الدول العربية على تبني هذا "الإعلان"، فإن هذا بحد ذاته سيكون إنجازا ضخما. الاحتمال الأكثر ترجيحا هو ان تعمد عدد من دول المنطقة إلى تأسيس بنية خاصة لمتابعة المقترحات كخطوة أولى نحو ولاية وتفويض تشمل المنطقة بكاملها (وقد ابدت بعض الدول استعدادها لمثل هذه الخطوة).
على مدار السنوات التسعين الماضية ومنذ تأسيس الاتحاد الدولي للصحفيين، حمل الاتحاد على عاتقه تنظيم حملات تهدف لحماية حقوق الصحفيين، وفي بعض الحالات قام بتأسيس معايير دولية لحماية حرية الاعلام، ودائما طالب بواجب احترام جميع المعايير الدولية المتعلقة بحماية هذه الحريات.
ورغم أن الاتحاد الدولي للصحفيين قاد معظم الجهود التي تصب نحو تنظيم مؤتمر الأسبوع المقبل بما في ذلك تطوير المقترحات التي يجري نقاشها بالتعاون مع خبراء بارزين على المستوى الدولي والإقليمي، وقام بتنظيم عدد من المشاورات الوطنية والمشاورات المفتوحة، فإنه لغاية هذه اللحظة لم يتخذ موقفا خاصا به تجاه المبادرة.
وعند اتخاذ هذا الموقف، وكما هو الحال دائما، سيكون دليلنا هو أعضائنا نقابات الصحفيين واتحاداتهم، وجمعياته في المنطقة بالإضافة
للإعلاميين وأصحاب المصلحة بقطاع الإعلام.
وإننا نتطلع قدما لخوض نقاش حيوي خلال الأيام المقبلة.
2016-04-27