الأحد، 6 سبتمبر 2015

الخاسر اﻷكبر هو اليسار بكل مكوناته..


اليسار في صيغته المتجددة ﻻيمكن أن يبنيه إﻻ أسوياء محصنين أخلاقيا ضد الفساد واﻻنتهازية وبعيدين عن الشيهات ودوي ميل تجميعي ووحدوي وليس حلقي أو شللي ..

ــ محمد نجيب كومينة
        
         فقد بات على الهامش و سيبقى كدلك مالم يحدث طارئ يتجاوز حدود التوقع، ﻷنه ﻻيتوفر على عرض صالح يمكن أن يقنع المستهلكين في هده السوق السياسية التي توسع فيها التهريب الديني وكيف أنماط التفكير والعيش واﻻستهلاك الجماعية. وحدهم الغارقون في شرنقتهم يمكن أن ينكروا هدا الواقع ويسنمروا في ثرثرتهم اللامتناهية. ونزاعاتهم المتعالية عن الناس التي تؤخر وﻻ تقدم.
        مدن المغرب اليوم غنيمة للإ سلاميين ، وﻻينافسهم عليها ، وإن بشكل محدود اليوم ،إﻻ اﻷحزاب التي خلقت لضبط التوازنات ودرء اﻻنفلاتات وليس للمنافسة السياسية. ما يعني اندحاراليسار وخروجه من الساحة السياسية، ﻷن السياسة كانت وماتزال وستظل بنت المدينة (la cité ) وهدفها التمدين ونشر المدنية،
وعلى عكس ماقد يوحي به هدا الكلام للبعض، المعادي لليسار أو الجاهز ﻹقامة صلاة الجنازة على جثته، وخصوصا من أعملوا معاولهم لتدميره من الداخل، فإن اندحار اليسار يشكل خسارة ﻻتعوض للبلاد برمتها، ﻷن وجود يسار وطني وديمقراطي يميل إلى اﻻعتدال والمفاوضة والتوافق ويراهن على مراكمة المكاسب ويتصدى للتطرف حيثما وجد، بما في دلك في الدولة، بصرامة، ضروري لدرء خطر العنف في الحياة السياسية وجعل المؤسسات تبتعد وتبعد عنه..
النتائج التي حصل عليها الحزب اﻹسلامي في اﻻنتخابات المحلية والجهوية، سواء تعلق اﻷمر بعدد اﻷصوات أو عدد المقاعد، حابلة باﻷخطار، خصوصا وأن العدالة والتنمية يشتغل برؤية إخوانية تنفلت من التقية من حين ﻷخر، كما يتبين من تصريح اﻷزمي بعد فوزه الكاسح بفاس الذي استعمل فيه آيات من القرآن لها معناها في سياق التصريح وليس النص اﻷصلي، إد من شأن هده النتائج أن تضطر الملك للرمي بكل ثقله مباشرة لضبط التوازنات المختلة، وهو مايمكن أن تترتب عليه الكثير من التبعات التي تنطوي على أخطار كبرى.
        نتائج هده اﻻنتخابات تبين أن المدينة المغربية، التي تعيش حالة انتقال ديمغرافي واجنماعي وثقافي وعمراني...، أخطر مما نتصور، فلم تعد خطورتها في حدود الجريمة العادية والمنظمة واﻻقتصاد غير المنظم وممارسات أخرى منحرفة أو فاسدة يمكن دائما تدبيرها بهدا القدر أو داك من الفعالية، بل صارت شاملة للتدين والثقافة ، بالمعنى اﻷنتروبولوجي الشامل، والسياسة واﻹيديولوجيات .فبدل أن تكون حاضنة للحداثة ، فإنها تدفع نحو ردود أفعال ضدها ذات منطلقات هوياتية مغرقة في التزمت تمضي إلى حدود الرفض والمحاربة. ومن المثير أن ﻻتقتصر ردود اﻷفعال هده على حديثي العهد بالتمدن وضحايا التهميش وأن نراها اليوم شاملة لمجاﻻت أو غيتوات عيش الفئات الوسطى والعليا بشكل أكبر، كما يتبين من نتائج اﻻنتخابات المحلية والجهوية اليوم بشكل أوضح ومن نتائج اﻻنتخابات العامة لمجلس النواب لسنة 2011 كدلك. حيث يشكل تصويت هده الفئات ، التي تحسن معيشتها باضطراد على مدى الخمس عشرة سنة اﻷخيرة ،على عكس مايقال في بعض الكتابات اﻹنشائية التي ﻻتقوم على معطيات يعتد بها، تصويتا مرضيا يلزم إخضاعه للتحليل النفسي أكثر من أي شئ آخر، ﻷنه ﻻيكاد يخفي ميلا انتحاريا ﻻيختلف في العمق عن ميل الدواعش اليوم والفاشيين باﻷمس.
وبغض النظر عن عدم توفر اليسار على عرض مقنع، فإن المدينة المغربية بوضعها اﻻنتقالي ومايترتب عليه تجعله يعيش في حالة تيه، ولدلك نراه اليوم على الحال التي هو عليها يزداد شتاتا ويسمح للرداءة اﻹنسانية، قبل الفكرية أو السياسية ، بتصدر واجهاته والتمكن من مقاليده، ويبتعد عن القيم النبيلة التي ميزت اليسار عن اليمين تاريخيا ويراكم اﻷخطاء القاتلة ويجني الهزيمة وراء اﻷخرى .
إن التطورات الجارية ببلادنا، كما عكستها نتائج اﻻنتخابات المحلية في المدن الكبرى، مخيفة، فاﻻستثناء المغربي الذي تم الترويج له آخد في التآكل، والفائزون في هده اﻻنتخابات يهمهم أن ينتهي، مادام شعورهم باﻻنتماء لوطن أضعف مما نتصور، ويبدو أن جزء كبيرا من الفئات الوسطى والعليا يسايرهم دون وعي بما يترتب عن نهايته على استقرار البلاد وعلى التعايش والتساكن بين المواطنين.
       نحن نسير بخطى واثقة نحو وضعيات شبيهة بتلك التي مكنت الفاشيات في أوروبا من الهيمنة وتغيير المعطيات القائمة، إدا ماتحاشينا فوضى الشرق ومآسيه التي افطر القلب، ولنقرأ تاريخ إيطاليا ولنجري المقارنات الموضوعية ﻻستخلاص مايمكن استخلاصه دون إسقاط.
لدلك توجد هناك حاجة لليسار. يسار متميز بقيمه ومبادئه ذات العمق اﻹنساني ومتطلع إلى المستقبل ﻻ متباكيا على ماكان، وماكان فيه نظر، وفاسح للمجال أمام اﻻجتهاد والتجديد على كل المستويات لصياغة عرض للتغييرصالح ومقنع وعامل على إعادة بناء جسور اﻻتصال مع مختلف فئات المواطنين بأفق خلق حركة جماهيرية ووضع حد نهائي لتصلب عدد من اﻷشخاص المغلقين والمتوترين الدين يصدون كل من يقترب من اليساربأخبث الطرق وأحطها ويدفعونه الكفر به ، ودلك بإحالتهم على طبيب نفسي رحمة بهم. فاليسار في صيغته المتجددة ﻻيمكن أن يبنيه إﻻ أسوياء محصنين أخلاقيا ضد الفساد واﻻنتهازية وبعيدين عن الشيهات ودوي ميل تجميعي ووحدوي وليس حلقي أو شللي ومستعدين للبدل والعطاء ولفسح المجال أمام الشباب ليتحمل المسؤولية ويقود القطار ومساعدته على تحقيق النجاح.
لست في حاجة إلى جمجمات وإنما إإلى انتفاضة الوعي كي يكون لليسار مكان في هده اﻷرض غدا وﻻ يدخل إلى اﻷرشيف في انتظار مؤرخين يروون مأساته. وليست لي رغبة في تصفية حساب مع أحد أو إدانة أحد، ﻷن المسؤولية في اﻻندحار جماعية. ويكدب على نفسه من يسعى إلى تحميلها لهدا الشخص أو داك دون أن يسائل نفسه.
            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق